بعد رحلةٍ طويلة من المطاردة من قبل الاحتلال وأجهزة السلطة، وجولات من التعذيب والترهيب، كانت النهاية المشرقة للأخوين عماد الدين وعادل عوض الله، أبناء البيرة، بيرزيت جامعة العياش، طلاب الشهادة والثأر المقدس، ومهندسو العمل المقاوم حتى اليوم.
ولد الشهيد عادل عوض الله بتاريخ 14/4/1967 في مدينة البيرة، وكان ناشطاً في صفوف حركة "حماس" منذ تأسيسها مطلع الانتفاضة الأولى، شارك مع حسن سلامة ومحي الدين الشريف في تنفيذ عمليات الثأر المقدس ردًّا على اغتيال المهندس يحيى عياش.
ودرس في مدارس البيرة، وانتقل الشهيد عوض الله بعد أن أنهى المرحلة الثانوية بتفوق وامتياز إلى دراسة الرياضيات في كلية العلوم والتكنولوجيا التابعة لجامعة القدس أبو ديس، ثم انتقل إلى جامعة بيت لحم لدراسة اللغة العربية إلا أن الجامعة أغلقت أبوابها مع بداية الانتفاضة الأولى.
وانضم الشهيد إلى جماعة الإخوان منذ نعومة أظفاره، وأصبح قائدا ميدانيا لمدينتي رام الله والبيرة، حيث أصيب مرات عدّة في الانتفاضة الأولى بالرصاص الحي والمطاطي، إلا أن ذلك لم يمنعه أن يكون في المقدمة دائما.
وكان عوض الله أول شاب يحمل على الأكتاف في مسيرة نظمتها حركة حماس يهتف ضد الاحتلال ويعلن عن انطلاقة حركة حماس في ساحات الأقصى، كما خطّ بيان الحركة الأول بعد ضربة عام 1991.
أسند إلى الشهيد القائد عادل عوض الله مسؤولية مدينتي رام الله والبيرة في كتائب القسام، واعتقل في سجون الاحتلال مرات عديدة، وطورد عدة أشهر قبل أن يتم اعتقاله مجددا ليقضى ثلاث سنوات ونصف السنة في سجون الاحتلال.
أمّا عماد عوض الله أخو الشهيد عادل وذراعه الأيمن ولد بتاريخ 6/9/1969 في مدينة البيرة، ودرس المرحلة الابتدائية في مدارس البيرة، ثم انتقل للدراسة في جامعة بيرزيت، إلا أن الجامعة أغلقت أبوابها مع بداية الانتفاضة لينتقل إلى جامعة القدس المفتوحة ويكون أحد طلابها، وقد عمل بعد تخرجه موظفا في مصلحة المياه في مدينة رام الله.
وكان الشهيد من رواد المساجد، وانضم لجماعة الإخوان المسلمين ثم حركة حماس مع بدء الانتفاضة، حيث شغل مواقع تنظيمية عدّة في إدارة العمل التنظيمي خلال الانتفاضة الأولى.
كما واعتقل مرات عدّة في سجون الاحتلال الصهيوني قضى خلالها سنوات، وأصيب خلال المواجهات في الانتفاضة مرتين.
وأصبح هو وشقيقه عادل في بداية عام 1996 مطاردين لجيش الاحتلال وأجهزة السلطة الأمنية، وداهمت الأجهزة الأمنية الفلسطينية منزليهما أكثر من مرة بهدف اعتقالهما.
اعتقل لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية مدة 4 أشهر تعرض خلالها لتعذيب شديد من شتى صنوف العذاب، ثم استطاع بعدها الفرار من السجن ليعلن بعدها جيش الاحتلال بتاريخ 10/9/1998 أنه تمكن من اغتيال الأخوين عوض الله.
وقد أكدت مصادر حينها، أن فراره كان بإشراف كامل من أجهزة السلطة بعدما زرعت في جسده جهاز تعقب الكتروني للتمكن من الإمساك بالشقيقين واغتيالهم.
رحلة جهاد ومطاردة
اختفى الشقيقان القائدان في كتائب القسام عادل وعماد عوض الله عن الأنظار بعدما باتا أبرز المطلوبين للاحتلال وأجهزة أمن السلطة الفلسطينية لدورهما البارز في كتائب القسام ومقاومة الاحتلال وقتل جنوده ومغتصبيه.
قوات كبيرة من أجهزة أمن السلطة الفلسطينية داهمت منزل عائلة عوض الله الواقع في مدينة رام الله في مدينة البيرة القريبة من رام الله، وأخضعته لرقابة شديدة على مدار الساعة؛ حتى بلغ بهم الأمر لاستجواب واعتقال كل من يزور بيت العائلة.
نجح القائدان عادل وعماد بالاختفاء عن أعين أجهزة الأمن الإسرائيلية والفلسطينية عامين كاملين؛ على الرغم من الجهد الاستخباري والأمني الكبيرين للبحث عنهما، قبل أن يتمكن جهاز المخابرات العامة الفلسطيني من اعتقال القائد عماد من أحد المنازل، فيما بقي القائد عادل حراً طليقاً يخطط للاثخان في العدو واستهداف جنوده ومغتصبيه.
ويروي الشهيد عماد في رسالة كتبها عقب فراره من السجن بتاريخ 18/8/1998م ما واجهه في سجون السلطة الفلسطينية، يقول: أمضيت أربعة أشهر في عدد من السجون، لاقيت فيها من التعذيب ما لا يتحمله بشر، من شبْح متواصل، وضرب على الرأس، وتجريد من الملابس، ونتف للحية ولشعر الرأس، حتى كدت أن أفقد حياتي في إحدى المرات. ويتابع، لقد تركزت الأسئلة خلال التحقيق حول مكان تواجد شقيقي عادل، وحول علاقتي مع الشهيد المهندس محيي الدين الشريف، وعدد من الإخوة الذين اعترفوا تحت التعذيب بأنني قد نظمتهم في الجهاز العسكري وأمددتهم بالسلاح، معقبًا: لقد عاهدت الله على مسامع قيادة السلطة ألا أتفوّه بكلمة أضر بها نفسي وإخواني ولو نُشرت بالمناشير.
فخ الهروب
أيام قليلة مضت على فرار الشهيد عماد من سجون السلطة حتى تمكنت قوات الاحتلال من اغتيال الشقيقين القائدين عماد وعادل عوض الله في تاريخ 10/9/1998، في إحدى المزارع المجاورة لقرية ترقوميا بمدينة الخليل، بعد عملية مطاردة استمرت ثلاث سنوات، واحتفظت بجثامينهم الطاهرة فيما تسمى بـ"مقابر الأرقام".
وفور سريان خبر اغتيال الشهيدين عوض الله، رحبت سائر الصحف الإسرائيلية في مقالاتها وتعليقاتها الافتتاحية بالعملية، لكنها وفي الوقت ذاته ضمّنت ترحيبها بسيل من المحاذير والمخاوف والتوقعات المتشائمة إزاء ما تخبئه الأيام والمرحلة القريبة المقبلة من تهديدات في أعقاب عملية الاغتيال.
كرامة الشهداء
وبعد مضى 16 عاماً على استشهاد القائدين عادل وعماد، أفرجت قوات الاحتلال عن جثمانيهما، وشارك آلاف المواطنين في تشييعهما في مدينة رام الله وسط الضفة بمشاركة جماهيرية واسعة من قبل أعضاء في المجلس التشريعي الفلسطيني وقيادات في حركة "حماس.
وذكرت المصادر الطبية حينها أن جثتي الشهيدين الأخوين عماد وعادل عوض الله لم تتحللا رغم مرور 16 عاماً على استشهادهما، كما أن ملابس الشهيدين لم تتحلل نهائيا، وأن زوجة أحد الشهيدين تعرفت على زوجها من القميص الذي كان يرتديه.