ذكرى جديدة تعود علينا لرحيل فتىً سطر أروع معاني الجهاد والمقاومة في زمن عمره القصير، هو ثابت صلاح الدين، عنوان جامعة النجاح الوطنية وأبرز مقاوميها وشهدائها.
أربع سنواتٍ قضاها ثابت مطارداً، بعيداً عن عيون عائلته وقلب والدته، ليستشهد في نهاية المطاف قريباً جداً من بيت أهله، في إحدى تلك البيوت التي كان يتحصن بها من أعين العدو وعملائه.
ففي تاريخ السابع عشر من يناير 2006، كانت طولكرم على موعدٍ لوداع بطلها ثابث، إثر اكتشاف مكانه واغتيال قوات الاحتلال له، حينها جثت والدته على ركبتيها قرب جثمانه الطاهر تتوسط الجموع المهنئة في بيتها، وتمسح جبهته الندية بعرق الجهاد، تعاتبه عتاب الأحبة: "ليه يَما ما خبرتني انك ساكن جنبي.. ليه ما خليتني أسلم عليك وإنت عايش!".
قبل هذه اللحظة بأربعة وعشرين عاماً، ولد ثابث صلاح الدين في مدينة طولكرم، عام 1982، وهو سليل أسرةٍ متدينة ملتزمة، تعود جذورها إلى بلدة حزما قضاء مدينة رام الله، درس في مدارس طولكرم، وعُرف عنه التزامه وأدبه وعزيمته، وتعلقه الشديد بالمساجد وخاصة مسجده "زيد بن حارثة" فكان ملتزماً بالصلاة فيه برفقة أخيه "مؤيد صلاح الدين" الذي استشهد لاحقاً.
نشأ ثابث على حب المقاومة والفداء، ونال إجازة تجويد القرآن الكريم، وحفظ أجزاء من القرآن، كما عُرف بتصدره ساحات الوعي والنفير، فأضحى أمير الحركة الطلابية الإسلامية في المدرسة الفاضلية الثانوية، أثناء دراسته في الفرع العلمي، تفوق ثابت في دراسته، ما أهله للالتحاق بكلية الهندسة، تخصص الهندسة المعمارية في جامعة النجاح الوطنية.
عائلة ثابت اختبرت ألم الفقد وفخر الشهادة مرتين، الأولى عندما نفذ شقيقه الأكبر مؤيد صلاح الدين، عملية استشهادية استهدفت إحدى نقاط ومواقع القوات الصهيونية الخاصة، وذلك بتاريخ الثامن من نوفمبر عام 2001، وكان لهذا الفراق الألم الأكبر في ذهن وقلب ثابت الذي كان ما يزال فتياً، لم ينهي تعليمه الثانوي بعد.
منذ ذلك اليوم حمل ثابت ألم استشهاد شقيقه في قلبه، فاتخذ الصمت ستاراً له، وبعد انضمامه لصفوف الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح الوطنية، سعى للمزيد من العمل الدعوي المقاوم، فانضم لكتائب الشهيد عز الدين القسّام، ليشارك في الإعداد لعددٍ من العمليات الاستشهادية، كان من بينها عملية مقاومة بمشاركة طلال أبو عصبة الطالب في كلية الشريعة بجامعة النجاح، الذي كانت مهمته إيصال حزام متفجر للمجاهد القسامي سعيد شحادة الذي سيقوم بالعملية، إلا أن اعتقال طلال ومن ثم سعيد أفشل العملية، ووضع ثابت على قائمة المطلوبين، بعد أن أشارت كل الخيوط إلى مصدر واحد هو ثابت صلاح الدين.
من هناك انطلقت حمى مطاردة ثابث، واستمرت محاولة أسره أو قتله مراراً وتكراراً، ومع ازدياد الضغط والملاحقة لقادة كتائب القسام، وإثر استشهاد المجاهد إحسان شواهنة عام 2005، تلاه استشهاد المجاهد أمجد الحناوي، أضحى ثابت هو قائد كتائب القسام في شمال الضفة الغربية.
مع نهاية عام 2005 انتقل ثابت صلاح الدين إلى مدينة طولكرم، واحتمى ببيتٍ قريبٍ من منزل عائلته، كان حينها قد بلغ من العمر 24 عاماً، وليس له من بوصلةٍ سوى الجهاد والمقاومة، وفي ليل السابع عشر من يناير 2006، اقتحمت قوات الاحتلال مدينة طولكرم، وحاصرت بأكثر من 30 آلية ومدرعة المنزل الذي كان يتحصن فيه ثابت، مطالبة إياه بالاستسلام، فما كان منه إلا أن رد عليهم بالنار والبارود، مشتتاً عزيمتهم، وملقياً الرعب في صدورهم، حتى كتب الله له الشهادة كما رغب وأحب، وكما كتب لأخيه ومعلمه الأول مؤيد صلاح الدين.