كان ذلك اليوم عاديًا في منزل عائلة جرارعة حتى جلست العائلة تتابع إحدى محطات التلفزة، حيث ظهرت والدة الشهيد محمد فرحات، المناضلة "أم نضال"، وهي تودع ابنها بالسلاح. التفت طاهر إلى والدته وقال بحزم وإيمان: "هكذا تكون الأمهات. لا أريدك أن تبكي عليّ إذا استشهدت... أريدك أن تكوني كأم محمد فرحات."
ولد طاهر جرارعة عام 1974 في بلدة عصيرة الشمالية قرب نابلس، ولم يمكث فيها طويلاً، إذ انتقلت العائلة إلى الكويت بعد عام واحد فقط من ولادته. هناك نشأ طاهر وترعرع، حتى جاءت حرب الخليج ليعود مجددًا إلى أرض الوطن، إلى بلدته التي لم تغب يومًا عن قلبه.
أكمل دراسته الثانوية في فلسطين بمعدل 83%، فالتحق بجامعة النجاح الوطنية، وبدأ دراسته في كلية العلوم قبل أن ينتقل إلى كلية الشريعة، التي تخرج منها بدرجة الامتياز. لم يكن طاهر طالب علمٍ فقط، بل كان حافظًا للقرآن منذ نعومة أظافره، ومثالاً للشاب الملتزم المتقي.
مع دخوله الجامعة، التحق بصفوف كتائب القسام عام 1994، وعاش سنواتٍ من الجهاد السري والمطاردة، متمرسًا على فنون التخفي وحسن التدبير بعد التوكل على الله. في ذات العام، تعرف على القائد الشهيد محمود أبو هنود، الذي علمه أسرار السلاح والجهاد.
بدأ مشواره العسكري بعملية نوعية عندما ترصدا مع أبو هنود قافلة عسكرية إسرائيلية على طريق وادي الباذان. عندما اقتربت سيارة الجيب العسكرية، فتحا النار عليها وقتلا الطبيب العسكري وأصابا سائقه. ومنذ ذلك اليوم، دخل طاهر قائمة المطاردين.
لاحقًا، انضم إليه إخوته الأربعة: يوسف، وبشار، ومعاوية، وتوفيق، الذين عرفوا فيما بعد بـ"استشهاديي عصيرة الشمالية". ومعًا خاضوا معارك بطولية، كان أبرزها عمليات شارع بن يهودا وسوق محني يهودا في القدس، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 22 صهيونيًا.
ومع تصاعد عملياتهم، اشتدت مطاردة الاحتلال وأجهزة السلطة لهم، حتى اعتُقل طاهر على يد السلطة الفلسطينية، ونُقل إلى سجن أريحا حيث تعرض لتعذيب قاسٍ، قبل أن يُرحل إلى سجن الجنيد بنابلس.
هناك، واصل طاهر دراسته الجامعية، في محاولة لاستغلال الفرصة رغم أن سلطات السجن كانت تسمح له بحضور المحاضرات فقط بهدف مراقبته، تحسباً لأي تواصل مع رفيقه محمود أبو هنود، لكن رغم ذلك، ظل اللقاء بين الأخوين يتم خفية.
مع اندلاع انتفاضة الأقصى، أنعم الله عليه بالحرية بعد ثلاث سنوات من الأسر. وبعد فترة قصيرة، نجا بأعجوبة من محاولة اغتيال حين تأخر عن مرافقة القائد الشهيد إبراهيم بني عودة في اليوم الذي استُشهد فيه.
اختفى طاهر بعدها عن الأنظار لثمانية أشهر، حتى عاد والتقى بالقائد أبو هنود بعد قصف سجن نابلس بطائرات الـF-16. ظل مرافقاً وفياً له حتى استشهاد القائد محمود برفقة أيمن ومأمون حشايكة في 23/1/2001.
مع بداية اجتياح نابلس خلال عملية "السور الواقي"، طُلب من طاهر مغادرة المدينة، فامتثل للأمر وتوجه إلى جبال عصيرة الشمالية، رغم علمه أن العيون الخائنة كانت تلاحقه. قال لوالده آنذاك بثقة: "هناك عملاء يلاحقونني... كم أتمنى أن يرسلوا لي الصهاينة لألقنهم درساً."
وجاء اليوم المنتظر، في 21 نيسان 2002، حاصرت قوات الاحتلال المنطقة مستخدمةً ثمانية طائرات ومئات الجنود والدبابات. خاض طاهر ورفيقه إياد حمانة معركة بطولية غير متكافئة. أصيب طاهر في اليوم الأول، لكن إياد تمكن من علاجه ميدانيًا تحت نيران الاحتلال، وانتقلا إلى موقع آخر.
في الليلة التالية، اشتعلت المواجهة وجهاً لوجه، تحت شجرة بلوط وحيدة، لا يفصلهم عن جنود الاحتلال سوى أمتار معدودة. قاتلا حتى الرمق الأخير، وتمكنا من قتل جنديين إسرائيليين، قبل أن يرتقيا شهداء في معركة تليق بأبناء القسام.
بعد انتهاء المعركة، داهمت قوات الاحتلال منازل العائلة، واعتقلت والد طاهر وشقيقه وعمه، إضافة إلى عم الشهيد إياد، لمطابقة هوية الشهيدين، فيما تملكت الضابط الصهيوني حالة من الغيظ الشديد بعد تمكن الشهيدين من قتل الجنديين، قائلًا لوالده "شوفوا شو عملوا اولادكم قتلوا جنديين"، دون أن يدرك أن طاهر وإياد إنما ظفرا بالحسنيين، النصر والشهادة.