إسراء لافي.. القلم الصادق الذي لم يكسره القيد

رغم المرارة فإن تجربتها بالأسر كانت مختلفة، لأنها بالدرجة الأولى أرادت أن تنقل ما استطاعت من رحم هذه التجربة إلى العالم، لتفتح العيون على واقع الأسيرات وعلى ما قد يتركه الأسر في الروح، وعن ذلك العالم الغريب ما وراء الجدران الصلدة الذي يحتجز خلف صقيعه وصلفه الأسيرات الفلسطينيات، الشابات والأمهات والطالبات والجريحات والزوجات، بأمالهن وأحلامهن بالحرية، وأوجاعهن الجسدية والروحية التي تذوي أمام صوتٍ حنون بُث عبر برنامج الأسرى، ثم تعود لتتعاظم من جديد.

هي إسراء لافي، ابنة مدينة حماس، خليل الرحمن من بلدة صوريف، تخرجت من جامعة بولتكنيك الخليل بعدما أتمت دراسة تخصص هندسة الحاسوب بتفوق، ثم لم تلبث أن حصلت على درجة الماجستير من جامعة القدس المفتوحة، ومن ثم ابتدأت بدراسة الماجستير من جامعة بيرزيت في تخصصٍ آخر.

عُرفت بقلمها وكتاباتها، ومناصرتها للأسيرات حتى قبل اعتقالها، وكان لها أداءُ إعللامي مميز مكنها من إنتاج برنامج نسيم الأحرار الذي بثته فضائية القدس، ومن ثم عملت في كتابة وإنتاج برامج عدة مع فضائية الأقصى بالإضافة لفضائيات فلسطينية أخرى، ناهيك عن مشاركتها الكتابة في عددٍ من المدونات والمجلات والمواقع، وحصولها على المرتبة الأولى في الأبحاث العلمية بمسابقةٍ أكاديمية فلسطينية.

بالنسبة لعائلة إسراء، تمثل إسراء أكثر من مجرد ابنة، بل هي صديقة والديها، المقربة من أخوتها، الجدار الاستنادي وقت الصعاب لكل قريب، وبالنسبة لصديقاتها كانت بحد ذاتها.. بوصلة.

في نهاية أيلول/ سبتمبر من عام 2018، بعد منتصف الليل داهمت قوات الاحتلال بلدة صوريف، واعتقلت اسراء من بيت عائلتها، ثم نقلتها مباشرة إلى السجن، هذه البوابة التي سمعت عنها كثيراً من والدها لكنها لم تتخيل يوماً أن تختفي ورائها لما يقارب عن العشرة أشهر، قضتها برفقة الأسيرات الفلسطينيات مثل بيان فرعون، وياسمين شعبان، وإسراء الجعابيص وشروق دويات، وأم الشهيد أشرف علاونة.

هذه التجربة صنعت من إسراء قلماً مختلفاً، وإن كان ما يزال سيالاً على عهده فإن الألم والغصة أضحت تخنقه بشكلٍ واضح، تحاول إسراء ما بين الفينة والأخرى استحضار الأسيرات في الذهن الفلسطيني بكتاباتها، لكن ألم التجربة يخنق في روحها الكثير، وهي مع ذلك ترى أن تجربتها أشد وطأة وقسوة من تجارب أخواتها الأسيرات.

بعد مداولات وعدة مماطلات حكمت المحكمة بالسجن على إسراء لعشرة أشهر، وغرامة مالية ووقف تنفيذ لمدة خمس سنوات، أنهت إسراء حكمها بالكثير من الحنين والألم، تقول إسراء عن السجن:" الاعتقال الأول هو الاختبار الأول للتحمل وللغياب وللانتظار وللتفاصيل التي تضامنا معها دومًا دون أن نعيشها، التجربة التي جاءت لتجيب على أسئلة كثيرة لديّ كعادة كل مسارات حياتي؛ سؤال وبحث عن إجابة، وكأنها مجرد بحث آخر ليس إلا".

مشاركة عبر :