في عام 1979 خاض الطالب ماجد حسن معركته الأولى، مع ذاته ومع الآخرين، ودون أن يدري كان لانتصاره في تلك المعركة، انتصاراً لفكرة عظيمة، سيكون لها جذرٌ في الأرض وفرعٌ يمتد في سماء فلسطين وجامعاتها، كانت معركته صراعاً فكرياً سال دمه فيه، ونتيجة له أصبح مناصراً للفكر الإسلامي وتعرف على الطالب في جامعة بيرزيت "عبد الحليم الأشقر"، مسؤول كتلة العمل الإسلامي في الجامعة والتي أصبح اسمها عام 1980 "الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت".
وعلى مدى سنةٍ كاملة كان يتلقى ماجد حسن درساً أسبوعياً في مسجد بيرزيت، يأتيه كل يوم خميس، ينهل من معين الدعوة إلى الله، وينغمس في التوجه الإسلامي الذي كان يكتسب رويداً رويداً، التنظيم والبعد والحاضنة الشعبية المناسبة له.
بالنسبة لماجد الحسن، مثل عبد الحليم الأشقر، العتبة الأولى له نحو عالمٍ آخر، سيغدو عالمه الحقيقي، الذي يستحق من أجله أكثر من مجرد معركة، يقول ماجد حسن عن الأشقر: "هذا الرجل كان له فضل شخصي علي منذ كنت طالباً في المرحلة الثانوية في مدرسة الأمير حسن الثانوية، في بلدة بيرزيت، نهاية عقد السبعينيات من القرن الماضي، وهو من أنار طريق الحق أمامي، وهو من أسس الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت عام"1979".
اليوم يعود البروفيسور عبد الحليم الأشقر للواجهة بعد مقابلةٍ له على الإعلام، كشف خلالها أنه قضى 15 عاماً في السجون الأمريكية، بتهمٍ لا أساس لها في الواقع، فالأشقر الذي بدأ حياته العملية مديراً للعلاقات العامة بالجامعة الإسلامية في غزة بعد تخرجه عام 1985م، وحصل على منحة فولبرايت الأمريكية عام 1989، وتعرض لحرمانٍ من السفر قبل أن يسمح له بالسفر لاستكمال منحته، تم اضطهاده وابتزازه مراراً وتكراراً، من الجانب الأمريكي، بهدف دفعه للوشاية بأصدقائه وإخوانه، أو الاعتراف بالعمل لصالح حركة حماس من داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
معاناة الأشقر امتدت ولا تزال مستمرة منذ أيام دراسته وسعيه لحصوله على درجة الدكتوراة، فقد أنهى الدرجة في سبع سنوات نتيجة للضغوط المستمرة، والمضايقات بدءاً من الاستاذ المشرف، وعميد الكلية، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، وجميعها تحاول دفعه للعمل لصالح الاحتلال وربيبته أمريكا.
المضايقات لم تكن وحدها السلاح المستخدم، بل العروض المغرية من العمل والحصول على الجنسية، والكثير من المال والرخاء، وحين لم تفلح الإغراءات عاد الأمريكان لسلاح التهديد فرفعوا ضده دعوى عام 1998، وحكم عليه بالسجن بعد رفضه المثول أمام المحكمة، فأعلن إضرابه عن الطعام، حتى الإفراج عنه.
في عام 2000 بدأ بالعمل عضواً في هيئة التدريس بجامعة هوارد، وبعد 3 سنوات امتنعت الجامعة عن تجديد عقده، كما طالبت دولة الاحتلال بسجنه ومعاقبته، وهنا تقدم بطلب لجوء سياسي للولايات المتحدة، الأمر الذي ألزمها الامتناع عن ترحيله، لكنها أخضعته للاستجواب والمحاكمة مرةً أخرى.
ما بين عام 2003، و2007، خضع الأشقر للإقامة الجبرية، والمحاكمات والاستجوابات، كما رفض المثول أمام المحكمة، وخاض إضراباً عن الطعام، فيما حاولت السلطات الأمريكية إجباره على سحب طلب اللجوء السياسي تمهيداً لترحيله من الولايات المتحدة خلال شهرين وبالتالي تسليمه لدولة الإحتلال، في عام 2005 أيضاً رشح الأشقر نفسه لانتخابات الرئاسة الفلسطينية.
عام 2007، حُكم عليه بالسجن لـ 135 شهراً بتهمة عرقلة العدالة، وهكذا بقي الأشقر حبيساً حتى عام 2017، وبعد الإفراج عنه تم اعتقاله مجدداً والحكم عليه لـ 18 شهراً، وفي الـ2019 حاولت الولايات المتحدة ترحيله إلى دولة الاحتلال، وبينما كان عبد الحليم في الطائرة متوجهاً إلى حيث سيتم تسليمه لدولة الإحتلال، منحه كبار القضاة الأمريكين اللجوء السياسي، فعاد إلى الولايات المتحدة من جديد.
اليوم بدأ عبد الحليم مرحلةً جديدة من حياته في تركيا، البلد الذي ما زال يؤمن بالحق الفلسطيني، ويحتضن أحرار العالم وثواره، واقفاً في وجه المكائد والمؤامرات، ومن خلفه ألوف مؤلفة ممن يحتمون بأمواجه وبحره خوفاً من غضبة حكامٍ وبطش طغاة وظلم محتل.