من غصة قلب والدته، إلى زغرودتها التي أطلقتها لتغيظ الإحتلال، رغم حزنها على فراقه، إلى تلك اللحظة التي أدرك الوالد الحنون فيها غياب ابنه ضياء إلى الأبد، تبدو المسافة بين الكلمات قصيرة، لكنها في تلك اللحظة بدت دهراً بطوله، عاد ضياء التلاحمة ابن بلدة خرسا جنوب الخليل إلى بلدته ليحتفل مع عائلته بالعيد، رافق والده إلى عمله في ورشة البناء، مر على والدته التي كانت تطبخ الدبس، بدل ثيابه وخرج للنادي الرياضي، ولم يعد.
تسمع أم ضياء صوت انفجارٍ قريب من منزلها، تنظر من سطح المنزل، تسكن قلبها غصة مريرة، لا تدري سببها، لكنها تخفيها خاصةً بعدما علمت اسم الشهيد، وهو ليس بأحد أبنائها، قريباً من منتصف الليل ما زالت أصداء الإنفجار تتردد على ألسنة أهل خرسا، يعود ابنها ليخبرها أن ضياء قد يكون هو الشهيد، ويحثها على التصبر خاصةً أمام والده، الذي لم يعرف بعد.
بعد منتصف الليل يقتحم الإحتلال منزلهم، حتى الآن لم يظهر ضياء ولا تأكيد لاستشهاده، يطلب الضابط من والده التعرف عليه من خلال صورته بعد الاستشهاد، يتعرف الوالد عليه، تطلق أمه زغرودة مقهورة حبيسة مجروحة ومجلجلة، لتغيظ الجنود..
في ذلك اليوم كان ضياء قد أغلق الشارع الذي تمر منه الدوريات العسكرية بالحجارة، وما إن مرت الدوريات العسكرية حتى اضطر أفرادها للنزول من مركبتهم وإزالة الحجارة لإكمال السير، وهنا باغتهم ضياء بإلقاءه القنابل الموقوتة فعاجلوه بالرصاص، وكان في استشهاده بشارة لبدء هبةٍ شعبية في الشارع الفلسطيني سنذكرها لاحقاً باسم "هبة القدس".
ضياء التلاحمة الذي ولد عام 1994، كان في إجازة من جامعته القدس أبو ديس، حيث كان يدرس هندسة الحاسوب، وهو الخامس بين ثمانية أخوة، ونجل القيادي عبد الحليم التلاحمة، أحد مؤسسي حركة الجهاد الإسلامي، عُرف بطيب الخصال، تذكره أمه حنوناً رؤوفاً، ذو طلةٍ بهية، وحضور مرح، ويذكره أبوه بوده وإخلاصه، وحمله للراية، ويذكره إخوانه في الجامعة مميزاً فاعلاً مقداماً، حسن الكلام، إن تحدث أسمع، سعى للجهاد بملئ عزيمته، فتدرب على الكارتيه وحمل الأثقال والجمباز وقتال الشوارع، وكان شعاره في الحياة.."إنا على خطى الشهداء..لمجاهدون".