لم تتخيل أنسام في يومٍ من الأيام أن قطار أحلامها سيتوقف عن الحركة تماماً لخمس سنوات، يسقطن من العمر والذاكرة كأنهن لم يكن قط، ويتركن مكانهن ندوب الحنين وألم الفقدان، وعذاب الأسر، وجلداً أشد من جلد الرجال، وعزيمة كان لها أن تشتد صلابة وهي لما تجاوز العشرين من العمر.
في عام 2016، اعتقلت قوات الاحتلال الطالبة في جامعة النجاح الوطنية أنسام عبد الناصر شواهنة، ووجهت لها تهمة محاولة تنفيذ عملية طعن، في الطريق ما بين جامعة النجاح وبلدة أماتين المتاخمة لقلقيلة والتي تنتمي لها أنسام وقعت عملية الاعتقال، لينزل الخبر كصاعقةٍ مدويةٍ لا يمكن تصديقها بالنسبة للعائلة والأقارب والأصدقاء.
وليت الزمن يقف هناك، أو ليته يتدرج من حيث انهار الجسر بين أماتين وحلم أنسام، لكنه مضى بها نحو أيامٍ من التحقيق والتعذيب القاسي الشديد، الذي تخلله الضرب والحرمان من النوم، والتهديد والسباب والشتائم، إضافة لاستهداف العائلة المتواصل بالاستدعاء والتحقيق والمداهمة المتكررة للمنزل.
هل يصدق أحدهم أن أنسام التي حصلت على معدل 97% في الثانوية العامة، والتي تسابق الأيام لتتخرج مبكراً وتنهي تخصص الصحافة والإعلام في وقتٍ قياسي، قد تُحجز لخمس سنواتٍ ضوئية بعيداً عن هذا الحلم؟، هل يصدق أحدهم أن أنسام، وحيدة عائلتها، الفتاة الخجولة الرقيقة قد تقف صامدة أمام قسوة السجن وسعي السجان لكسرها وإهانتها؟
بعد اعتقال أنسام، ووضعها تحت التعذيب الشديد والتحقيق المتواصل، حرمت أيضاً من الزيارة والتواصل مع العائلة لما يزيد عن الستة أشهر، كما زاد من معاناتها تأجيل جلسات المحاكمة لأكثر من 20 مرة متتالية، قضتها تعاند سلاسل السجان وبوسطة التنقل الكريهة، بعدها حكمت عليها المحكمة العسكرية بالسجن لخمس سنوات فعلية، وعامين وقف تنفيذ.
اليوم تحاول أنسام سرقة الوقت من سجانها، وتسترد جزءاً من أحلامها، فلم تترك السجن يأكل روحها بل سعت لتعلم القرآن الكريم، والإشراف على تدريس الأسيرات من طالبات الثانوية العامة، واستزادت من علوم الصحافة والإعلام، وملئت وقتها بالمفيد والقيم، لتؤكد عائلتها أن أنسام تحتفظ بعزيمة قوية، تغالب دموعها عند لقاء أهلها، وتخفف عنهم لوعة الغياب، وتعد الأيام لعودة حميدة مجيدة عما قريب.
هو إذا السابع من آذار، 2021، موعد أنسام مع الغد، مع الحرية والحلم، ومع قطار العمر الذي توقف، وسيعود للسير من جديد، بعزيمة أقوى، وهمة أشد، ورأس ثابتة راسخة لا يضعفها عدو ولا يهز إيمانها حاقد، ولعله حين يأتي يكون موعداً لها ولغيرها من الأسرى والأسيرات، الذين طال بهم الشوق واشتد بهم مسيرٌ أنهك الأجسام، لكنه زاد العزائم قوة وصلابة.