كان الطالب مصعب شماسنة على موعدٍ من الفرح قبل أيامٍ قليلة من اعتقاله على يد قوات الاحتلال، فزفافه في الثلاثين من آب، لكن اعتقاله الذي داهم مستقبله بتاريخ السابع والعشرين من آب، حول سعادته لفرحةٍ مؤجلة، كما حرمه من فرحة التخرج للمرة الثانية، خاصةً وأن الاحتلال حوله للاعتقال الإداري مباشرةً ولمدة أربعة أشهر.
عام 2008، أنهى مصعب تعليمه الثانوي وحصل على معدلٍ متقدمٍ في الثانوية العامة، أهله للالتحاق بكلية العلوم والتكنولوجيا في جامعة القدس أبو ديس، منغمساً بوهج الحياة الجامعية، لم ينس مصعب قضيته الأولى، ولم تأخذه الحياة بعيداً عن شمس روحه، الأمر الذي دفع الاحتلال لاعتقاله المرة تلو المرة، حتى أصبح تخرجه من كلية العلوم والتكنولوجيا في جامعة القدس ضرباً من المحال، فبعد 12 عاماً من الدراسة الجامعية دون تخرج، بدا أن البحث عن مخرجٍ آخر قد يكون مفيداً لمصعب، لا سيما وأن رفقاءه وزملائه قد تخرجوا من الجامعة، وتوظفوا وتزوجوا وأسسوا عائلاتهم، وبنوا سيراً ذاتيةً عملية لهم، وبعضهم عاد إلى الجامعة محاضراً ومدرساَ.
عزيمة مصعب وإصراره، لم تمنعه من البدء مجدداً، عاقداً العزم على السير رغم المحن، رغم تخطيه الثلاثين من العمر، فالتحق بجامعة بيرزيت، مكللاً بسيرة ذاتية عنوانها الشرف والمقاومة التي لن تموت، في الوقت ذاته سعى لتأسيس عائلته، فارتبط بفتاةٍ ذات خلقٍ ودين، وسعى للزواج بها بعد الإفراج عنه عام 2019، منتظرا الوقت المناسب، إلا أن الاعتقال داهمه، حارماً إياه مجدداً من فرحةٍ أخرى، على أمل أن تكتمل فرحته بفرحتان.. وربما أكثر ذات يوم.
أما ثائر عوض، الذي ناهز الثلاثين أيضاً، فمنذ عام 2007 ما زال ينتظر اليوم الذي يُنادى على اسمه في حفل التخرج، وإن كنا سنتتحدث عن العزيمة ففي عزيمته خير مثال، حيث يصر ابن بلدة بيت أمر، خليلي المراس، أن يكمل تخصصه في هندسة المواد، مهما باعدت بينه وبين الجامعة الاعتقالات والاختطاف، والاستدعاء والتهديد، حتى لو ناهز وجوده في الجامعة ما يزيد عن الثلاثة عشر عاماً.
ومن جامعة القدس أيضاً، ما زال مصعب سعيد منسق الكتلة الإسلامية السابق، والطالب في دفعة 2009 بانتظار إنهاء دراسته في تخصص كلية الإعلام والصحافة، هذا الحلم الذي دفعه بإصرار نحو إضرابه عن الطعام لأكثر من عشرة أيام في اختطافه الأخير على يد السلطة الفلسطينية، حتى أطلقت سراحه، ثم وبفعل سياسة التنسيق الأمني "المقدسة" اعتقل مصعب، ليُحرم مجدداً من تخرجه الذي فاته منذ ما يزيد عن الـ 11 عاماً.
هؤلاء وغيرهم الكُثر خريجون مع وقف التنفيذ، جمعتهم بوصلة الحق والراية الخضراء، جميعهم أكلت سجون السلطة وزنازين الاحتلال من أعمارهم وأحلامهم، وجميعهم ما فتئوا على الحلم حتى مل اليأس منهم، وما اصطبروا على الصبر حتى أصبح الصبر جلدهم وعنوانهم.