توافق اليوم الذكرى الـ17 لرحيل استشهاديي بلدة رنتيس في رام الله، حين خرج الشهيدان إيهاب ورامز أبو سليم ليثأرا لاستشهاد القائد إسماعيل أبو شنب، ومحاولة اغتيال الشيخ الإمام الشهيد أحمد ياسين والقائد الشيخ إسماعيل هنية قبل عمليتهم الاستشهادية المزدوجة بأيام قليلة.
إيهاب أبو سليم.. ذاك الشاب اليافع الذي عرفه أبناء جامعة بيرزيت بأخلاقه وحسن تعامله، كيف لا وقد أحبه كل من عرفه، بسمته اللطيف، وأخلاقه العالية، ونشاطه الدؤوب في خدمة الطلبة، فقد كان من أبرز نشطاء الكتلة الإسلامية، معروف بالتزامه وصدقه وأمانته، وتفانيه في تقديم كل الوقت والجهد في سبيل دعوته.
استشهاديا رنتيس
غريب أمر هاذين الشابين، اللذين ولدا معا، وعاشا معا، ودرسا معا، واستشهدا معا، وتحدثا بكلمات سيسجلهما التاريخ معا، إنهما استشهاديا رنتيس، القرية النائية في الجهة الغربية من رام الله، رامز فهمي أبو سليم، وإيهاب عبد القادر أبو سليم.
سجل الشهيدان في أخر حياتهما سيرة عطرة من أخلاق الشهداء، كان ذلك قبل ساعات قليلة من تنفيذ عمليته الاستشهادية في أحد المطاعم في مدينة القدس المغتصبة والتي قتل فيها سبعة إسرائيليين وجرح العشرات عندما وقف رامز أمام والده حيث يعمل وقاله له: "أبي، سأغادر الآن، لأني مدعو إلى عرس لأحد أصدقائي".
فور تداول خبر العملية الاستشهادية، اقتحم جنود الاحتلال بلدة رنتيس، ودار حديث بين والد الشهيد عبد القادر أبو سليم وضباط الاحتلال الذين سألوه عن ولده إيهاب، فأخبرهم كما أخبره ولده أنه ذاهب إلى الجامعة، جامعة بيزيت التي كان يدرس فيها في كلية الآداب في السنة الأولى.
لكن ضابط الاحتلال سارعه بالقول:" لم يذهب إلى الجامعة بل ذهب إلى جهنم، ولدك نفذ العملية التي وقعت ظهر اليوم في القاعدة العسكرية، فجر نفسه وسط حشد من الجنود في مدينة الرملة فقتل ثمانية جنود وجرح أربعين آخرين".
وبعد العبث بمحتويات المنزل قام جنود الاحتلال بمصادرة كل الكتب والوثائق والصور التي تتعلق بالشهيد إيهاب إلى جهة غير معلومة، وتركوا البيت مصطحبين معهم والد الشهيد وأخاه.
في هذه الأثناء كان رامز يستعد لتنفيذ العملية الاستشهادية الثانية التي وقعت في مدينة القدس، حيث فجر رامز نفسه اقتداء بصديقه إيهاب وسط حشد من رواد مقهى "هليل يافي" في القدس الغربية، وأسفر الانفجار عن مصرع سبعة إسرائيليين وإصابة 37 آخرين بجروح مختلفة، وفور وقوع العملية فرضت قوات الاحتلال حظر التجوال المشدد على القرية.
عملية مزدوجة
خرج الاثنان معا مع أول سيارة عمومية تخرج من القرية، على غير عادتهما، إيهاب توجه إلى جامعته في بيرزيت، حيث يدرس، ورامز توجه إلى عمله في مدرسة اليتيم العربي في بلدة الرام الواقعة بين مدينتي القدس ورام الله، حيث يعمل والده أيضا.
وبدون ارتباك أو قلق أو خوف، وبدون أن تسجل عليهما علامات الخوف بالرغم من أنهما كانا يدركان أن رحيلهما عن هذه الدنيا بات وشيكا، عاشا يومهما بشكل طبيعي دون إثارة شكوك أحد حتى من أقرب الناس إليهما.
وبعد انتهاء دوامهما، التقيا في ساعة محددة، وبمكان ما في رام الله، وانطلقا إلى مصيرهما، رامز إلى الهدف في القدس الغربية، وإيهاب إلى هدفه في بلدة صرفند قرب تل الربيع.
إيهاب فجر حزامه الناسف في تجمع لجنود الاحتلال، فقتل تسعة وجرح العشرات، وبفارق ساعة واحدة تقريبا، فجر رامز حقيبة حملها على كتفه داخل مطعم في القدس المحتلة، فقتل سبعة وجرح ثمانين.
ولأن الشهيدين لم يمض على الإفراج عنهما من سجون الاحتلال سوى أسابيع معدودة، كان لسلطات الاحتلال سرعة التعرف على جثة الشهيد إيهاب.