لو لم تكن الخليل قد أنجبت سوى رائد مسك لكفاها مسكاً وريحاناً وعطوراً، ولأسبغ عليها من صيت الشجاعة والعزم ما ينوب عن كل شيبها وشبانها، لكنها مع ذلك أنجبت العديد من رائد مسك، وبرزت أمام المدن الفلسطينية عاصمةً وقلباً للمقاومة الفلسطينية.
في هذه المدينة ولد رائد عبد الحميد مسك، بتاريخ الرابع والعشرين من يناير 1974، تلقى مسك تعليمه في مدارس المدينة متنقلاً ما بين مدرسة الجزائر والمدرسة الشرعية للبنين، ثم التحق بكلية المجتمع في الأردن ليكمل دراسته في التخصص الشرعي، ولم يكمل مسك دراسته لظروفٍ خالفته، فعاد إلى حنينه الأول وانتسب لجامعة الخليل حيث التحق بكلية الشريعة وأكمل درجة البكالوريوس في العلم الشرعي، ثم التحق بجامعة النجاح الوطنية للحصول على درجة الماجستير في كلية الشريعة الإسلامية.
فتوة مسك كانت مسكاً أيضاً، فقد أتم حفظ القرآن الكريم ولما يتجاوز الخامسة عشر من عمره، وإن كان القرآن قد زين قلبه فقد ألبسه حُلي الخلق والود، فعُرف عنه الأدب والحياء الجم، والرفق وصلة الرحم، كما أسس فيه طلاقة اللسان وبلاغة اللفظ وسرعة البديهة، فكان الخطيب المفوه صاحب الرد القرآني، تدور أفكاره حول القرآن بإعجازه وأحكامه، وتدور حياته حول القرآن بأخلاقه وعباداته.
رقة قلب مسك ارتبطت بشيء آخر، هو والدته التي غادرت الحياة مبكراً ولم يتمكن من وداعها، حتى أن الدموع كانت ترافق عينيه كلما ذكرها، فقد كان أسيراً في سجون الاحتلال لمدة عامٍ كامل، حينها كان رائد يبلغ من العمر 15 عاماً.
بعدما تخرج مسك من جامعة الخليل عمل في مجال التدريس إضافة للإمامة والخطابة وأشرف على دورات تحفيظ القرآن الكريم في مساجد المدينة، كما كان له دورٌ في الإشراف على امتحانات التجويد، وعرفته مساجد المدينة ومجالس الذكر وحفظ القرآن الكريم فيها، ثم ما لبث أن تزوج وكان له قبل الشهادة من الأبناء مؤمن ويبلغ من العمر 3 سنوات، وسما وتبلغ من العمر 22 شهراً، فيما كانت زوجتها تنتظر مولوداً آخر.
أثناء دراسة الشهيد في جامعة النجاح الوطنية للحصول على درجة الماجستير عزم الشهادة، وصدق الله فصدقه، ففي تاريخ التاسع عشر من آب 2003، تخفى في ثياب مستوطن يهودي، وصعد للحافلة رقم 12 التي كانت قد خرجت للتو من ساحة البراق محملة بكبار الحاخامات اليهود، ثم فجر عبوته التي تزن 5 كيلو غرام والتي أدت لمقتل أكثر من 20 مستوطناً وإصابة ما يزيد 150 آخرين، علماً أنها المرة الأولى التي يدخل مسك فيها القدس، فقد شاء الله أن يكرمه ينصرٍ عظيم وشهادة تهتز لها جنبات الخليل وفلسطين فرحاً وفخراً.
استشهد مسك مخلفاً ورائه مؤمن الذي حصل على معدل 97 في الثانوية العامة عام 2017، وسما التي حصلت على معدل 95 عام 2019، وبينهما يكبر الأمل وتكبر العزيمة والفخر برائد مسكي مثل أبيهما.