لا يذكر اسمه إلا وتلمع في الذاكرة مباشرة عملية خطف الضابط الصهيوني نسيم توليدانو؛ التي يصنفها الاحتلال على أنها أخطر عملية أسر في تاريخ المقاومة الفلسطينية. إنه قائد تلك العملية وقائد ومؤسس وحدة خاصة في كتائب القسام المسماة (الوحدة 101)؛ المقدسي الأسير محمود عيسى.
والأسير عيسى محكوم بالسجن ثلاثة مؤبدات و46 عاماً، ومكث ما يزيد عن نصف مدة اعتقاله في العزل، حيث يصنفه الاحتلال بين أخطر 8 أسرى في سجونه.
نشأته
ولد الأسير المقدسي محمود موسى عيسى ببلدة عناتا شمال شرق مدينة القدس في 21 مايو 1968 في أسرة ريفية متدينة بالفطرة بين ثلاثة إخوة هو أصغرهم وخمس شقيقات.
وعندما أنهى المرحلة الطلابية الأساسية كان يريد الدراسة في الفرع العلمي، والذي لم يكن متاحاً في بلدته، فتوجه إلى المدرسة الرشدية في مدينة القدس، وهناك وجد ضالته في الحركة الطلابية الإسلامية، وكان من قياداتها.
في صفوف القسام
درس محمود في كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة القدس، وهناك انضم للكتلة الإسلامية؛ الإطار الطلابي لحركة حماس، وأضحى أميرا لها، لكنه ولشخصيته القيادية ما لبث أن انضم لكتائب القسام، وأوكلت له الكتائب إنشاء الوحدة الخاصة 101 التي ألقي على عاتقها أسر الجنود لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين.
وفي (13-12-1993)، اختطفت الوحدة الرقيب أوّل في جيش الاحتلال نسيم توليدانو قرب مدينة اللد المحتلّة، وطالبوا سلطات الاحتلال بإطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين -مؤسّس حركة حماس- مقابل الإفراج عنه، لكنّ دولة الاحتلال لم تستجب لمطلبهم فقُتِل توليدانو، وأطلقت دولة الاحتلال على إثر ذلك عمليّةً شرسةً ضدّ حركة حماس أبعدت خلالها 415 من قادتها إلى مرج الزهور في الجنوب اللبناني، واعتقلت الآلاف من عناصرها في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة كان منهم محمود عيسى الذي اعتُقل من منزله في بلدته عناتا شمال شرق مدينة القدس في (3-6-1993)، ولم يتجاوز عمره آنذاك 25 عامًا.
من أخطر الأسرى
أمضى محمود شهرين كاملين في التحقيق العسكري في مركزي المسكوبية في القدس والرملة، لكنه رفض الاعتراف بأيٍّ من التهم الموجهة له، وقد خرج في هيئة صادمة لعائلته عقب التحقيق؛ من خسرانه الكثير من الوزن، علاوة على التعب والإرهاق الشديد الذي بدا عليه في المحكمة المركزية في مدينة القدس، حتى إن والدته لم تعرفه للوهلة الأولى، وقد حكم باعتراف الآخرين عليه، بالسجن المؤبد ثلاث مرات و40 عاماً.
وصنف الاحتلال عيسى بأنه واحد من أخطر ثمانية أسرى في سجونه خاصة بعد اتهامه عدة مرات بتجنيد خلايا خارج السجن، ومحاولته في العام 1996 الهروب من سجن عسقلان بحفر نفق أسفل السجن، وقد أعيد للتحقيق عدة مرات، وأضيف لحكمه ست سنوات أخرى.
15 عامًا من العزل
سعى الاحتلال لكسر إرادة القيادي محمود عيسى، بزجّه سنوات طويلة في العزل، فبعد أن عزل لعامين متفرقين خلال التسعينيات، زجه الاحتلال في العام 2000، في مرحلة عزل طويلة سعى بها لتحويل معتقل محمود عيسى إلى قبر حقيقي، لكن عيسى حوله إلى روضة للتعبد والمعرفة، فقد حفظ القرآن كاملاً، وانكب على القراءة والكتابة، وأنتج ستة كتب فكرية وبحثية وروائية، كما أن الاحتلال حرمه من إكمال الدراسة في الجامعة العبرية بتخصص العلوم السياسية، ولم يخرج محمود عيسى من عزله إلا في العام 2012 عقب إضراب الكرامة.
وقالت شقيقته أم عبادة لمصادر إعلامية سابقا: إن "الاحتلال وحتى يضاعف قسوة عزله حرم جميع أفراد العائلة من زيارته عدا الوالدة، والتي لم تسعفها صحتها لزيارته سوى خمس سنوات فقط، وبقي محمود سبع سنوات لم ير فيها أياً من أفراد عائلته".
وتشير أم عبادة: "كانت صلتنا به تتم عن الصليب الأحمر، إضافة للإذاعات المحلية التي كانت تبث رسائل الأهالي للأسرى، التي نحاول عن طريقها إرسال الأخبار السارة له لرفع معنوياته".
وتؤكد أن "أصعب موقف لنا في اعتقاله كان عند أول زيارة بعد انتهاء عزله الذي جاء بعد إضراب الكرامة في العام 2012. اثني عشر عاماً لم نره فيها، والعزل وقسوة السجن أخذت الكثير من بهاء شبابه، شعر غزاه الشيب بكثرة، وتجاعيد وهالات سود احتلت وجهه، كان الموقف صادماً ومؤلماً".
محمود الإنسان
رغم سنوات اعتقاله وعزله الطويلة، إلا أن محمود يتحلى بصحة جيدة، فهو يواظب على الخروج ساعة كاملة يومياً لممارسة الرياضة، علاوة على إتقانه لرياضة الكاراتيه، وهو خطاط بمستوى متقدم جداً، ويتصف بشخصية مرحة متواضعة قريبة من القلب، ويؤثِر الآخرين على نفسه، فيبذل ما في وسعه لتعليم زملائه أحكام التجويد إضافة لقيامه بالطبخ وصناعة الحلويات لهم.
وعن المناسبات التي مرت عليه في سجنه تشير شقيقته أم عبادة: "بعد عام واحد على اعتقال محمود توفي والده، وعلى مدار سنوات اعتقاله الطويلة توفيت خالاته الثلاث وخالة وأعمامه"، مضيفة: "إن ربع قرن من الاعتقال جاء فيه جيل كامل وأنهى تعليمه الجامعي وتزوج، من أبناء إخوانه وأخواته".
وتشير أم عبادة: "رغم أن العائلة تأملت كثيراً الإفراج عن نجلها في صفقة وفاء الأحرار، إلا أن الاحتلال تعنت بالإفراج عن بعض أخطر الأسرى، وكان محمود منهم، وكانت ردة فعل محمود عيسى بالقول: أنا فوضت أمري لله، وراض بما ييسره الله لي".