بعد خمسة شهور من الاعتقال انطلقت شذى ماجد حسن نحو فضاء الحرية، تاركةً خلفها أخواتها الأسيرات، على أمل الإفراج القريب عنهن، ولو بصفقةٍ مشرفة، تعيد للروح رونقها، تقول شذى: "خمسة شهور مضت ليس بأيامها، ولكن كأنها خمسة أعوام، ورغم القسوة كانت رحمة الله متجلية في كل موقف، فتجربة السجن ليست تجربةً سهلة، فهي حرمانٌ من أغلى ما يملك الإنسان، أهله وحريته، معزولاً في مكانٍ ناءٍ، مكبل الحرية واليدين".
وعن واقع الأسيرات أشارت شذى إلى أن واقعهم مرير وقاسٍ جداً، فمن جرب الأسر يدرك أن التعاطف مع الأسيرات مختلف تماماً عن التجربة الواقعية، خاصةً أن المعاناة شاملة لأبسط الحقوق والاحتياجات، ومن الصعب حصرها في مواقف محددة.
تستذكر شذى الأسيرة الجريحة إسراء الجعابيص، وتقول: "عرفت إسراء قبل الأسر من خلال ما نُقل في الإعلام عن وضعها ومعاناتها، لكن بعد الأسر خرجت ولدي صورة أخرى عنها، فهي مرحة، ومتحدية للألم رغم حروق جسدها، تواجه الصعاب بالرسم والأشغال اليدوية الفنية التي تهديها لأخواتها الأسيرات، ببساطة كانت رمزاً للعزيمة والإصرار".
وتضيف شذى: "كل أسيرة لها قصتها ولها همها، من بين الأسيرات ذات المعاناة الصعبة، الأسيرة إيناس عصافرة، وهي أم لطفلين، وزوجها أسير في الوقت ذاته، اعتقلت قبل رمضان المنصرم، وحين يزورها أبناؤها يقوم أحدهم بزيارة الأم والأخر بزيارة الأب ومن ثم يتبادلان الزيارة اللاحقة لنقل الرسائل بين الأب والأم.
وتستذكر شذى دموع إيناس حين تحن لأبنائها، وتذكر كيف قامت في السنة الماضية بشراء ملابس العيد لأطفالها، لكن الاعتقال حال بينها وبين رؤيتها لهم يرتدونها صباح اليوم الأول في العيد، بينما هذا العيد لم تشترٍ لهم ملابس العيد ولم تراهم على العيد.
وعن تجهيزات رمضان والعيد في الأسر، تقول شذى بأن الأسيرات يحاولن استعارة السعادة في العيد قدر المستطاع، فيقمن بإعداد المعمول الذي يتطلب جهداً ووقتاً كبيراً، حيث يتم خبزه على البلاطة، ويستهلك إعداد كيلو واحد من المعمول 4 ساعات من الخبز، كما قامت الأسيرات بإعداد القطايف في رمضان، وتستدرك شذى أن المعمول والقطايف مختلفان جداً عما يتم إعداده خارج الأسر، ورغم ذلك فهما من وسائل إدخال الأسيرات السعادة على قلوبهن.
وفي ظل هذه الأجواء، تعود شذى بالذاكرة، فتقول إن العيد ورمضان مثلا محطتين مؤلمتين للأسيرات، ورغم محاولات اجتيازهما إلا أن الحقيقة تظل قاسية، ويتكرر معها مجدداً دعاء الأسيرات: "يا رب ما يجي العيد إلا واحنا بره، ما يجي رمضان واحنا بالأسر".
وفيما يتعلق بدعاء الإفطار وطقوسه تقول شذى أكثر ما أذكره، هو دعاء الأسيرات بصفقة مشرفة تكفل لهن الحرية والفرج، وهو أمل يتكرر في كل يوم وكل لحظة، بل إن مجرد الحديث عن الصفقة يلهب حماس الأسيرات ويدفعهن للهتاف والنشيد كأن الفرج سيحين بعد دقائق.
وعن لحظات الوداع، تقول شذى أصعب وداع كان لأم أشرف نعالوة، كانت تودعنا وهي تبكي، مدركةً أنها تخرج من الأسر وأمامها ابن شهيد، وبيت مهدم، وتترك خلفها الأسيرات، وهي تأمل أن تجتمع بهن يوماً ما في فضاء الحرية، حاملةً عبء الأسيرات كما تحمل عبء عائلتها.
وفي النهايات تعود شذى للحظات النوم في السجن، حيث التفكير بالأهل والأحبة، وأطياف الشوق تعاود الأسيرات، وتغدو الصعوبات التي حاولت الأسيرات تجاهلها طول اليوم ماثلةً تتضخم أمام عيونهن، ليغدو الصمت والألم هو الملمح الدائم بين جميع الأسيرات، يختزلهن الصمت والحزن، وتجمعهن آمال الحرية المحببة، هذه الآمال التي ازدادت وتيرتها مع عزل كورونا، وتسبب في شعور متعاظم للأسيرات بالوحدة والقلق على أهاليهن.