ما بين اليوم الثاني من شهر رمضان، واليوم الثامن والعشرين تجتمع حياة الشهيد عاصم ريحان، وتتناغم على إيقاع واحد، فإن كان صوت بكائه قد أعلن قدومه للحياة في بواكير رمضان عام 1980، فإن صوت رشاشه قد ختم نهايةً مباركةً لهذه الحياة في آخر أيام رمضان عام 2001، وبين هذه الفواصل تبدو الكثير من محطات حياة عاصم حافلةً بالعطاء والعمل للدعوة الإسلامية والجهاد في سبيل الله.
نشأ عاصم في بيتٍ ملتزم، أخرج الشهداء والأسرى والمقاومين الفلسطينيين، وعُرف عن أبنائه التدين والالتزام الحسن، فغدا شاباً ملتزماً خلوقاً، مواظباً على الصلوات في المسجد، حافظاً للقرآن الكريم، خادماً ومعيناً لإخوانه، باراً بوالديه ورفيقاً بجيرانه، تسبقه سيرته العطرة، ويحفه النشاط والهمة، وكان لهذه الصفات الدور الأكبر في تصدره بمختلف مراحل حياته، منذ دراسته الإعدادية والثانوية وحتى دخوله إلى معترك الحياة الطلابية في جامعة النجاح الوطنية، والتحاقه بصفوف الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح.
وقد أضحى وخلال مدة قصيرة أميراً للكتلة الإسلامية في كلية الإقتصاد التي التحق بها لدراسة تخصص التسويق، كما انتخب عضواً في المؤتمر العام في سنته الدراسية الثانية، ومن هناك أكمل دربه في خدمة إخوانه الطلبة، وإعلاء الراية الخضراء والسير في سبل المقاومة والجهاد.
وإن كان عاصم ريحان شخصيةً متفردةً بحد ذاتها، فإنه نموذجٌ لحقبةٍ من الشهداء صبغت جامعة النجاح الوطنية بصباغ الشرف والعز، وأسبغت عليها لقب "جامعة الشهداء"، ففي الوقت الذي وجد عاصم نفسه وروحه تواقة للعمل العسكري، كان قيس عدوان، ومهند الطاهر، وعاصم الحنبلي، وأخرون جمعتهم الراية الخضراء على ذات الدرب، ليكونوا عنواناً لمرحلةٍ قد لا يُعاد تكرارها على أرض الجامعة مجدداً.
المحطة الفاصلة حقاً في حياة عاصم، كانت يوم استشهاد أخيه محمد ريحان، فقبل شهرٍ من استشهاد عاصم، اقتحم الاحتلال الصهيوني بلدة تل، وداهموا منزل العائلة مطالبينها بتسليم المقاومين الموجودين في داخل المنزل، حيث كان هناك الشهيد نصر الدين عصيدة، فما كان من محمد إلا أن تصدى للاحتلال وخاض معهم اشتباكاً مسلحاً ليؤمن انسحاب الشهيد نصر الدين برفقة أخيه الأصغر عاصم، وفي ذلك اليوم عمد جنود الاحتلال للتنكيل بالشهيد محمد، وقاموا بمنع عائلته من مساعدته أو الاتصال بالإسعاف، وتركوه ينزف حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، فيما زوجته ووالدته بجواره لا تملكان الاقتراب منه ولا حتى وداعه أو تغطيته.
بعد هذه الحادثة، غاب عاصم عن بيته تماماً، مقرراً ألا يعود إلا كقمر يضيء عتمة والديه ويخفف حرقة قلبهما على استشهاد أخيه محمد، فبات في العراء ليالٍ عدة، محروماً من الطعام، متنقلاً بين الكهوف والبراري، يتسحر الماء ويفطر الماء، متحرياً نقاط تنقل العدو ومحاور ضعفه، حتى اهتدى إلى إحدى البؤر الاستيطانية القريبة من مدينة قلقيلية، وهي مستوطنة عمونئيل، متعهداً ألا ينتهي شهر رمضان إلا وقد أوفى بنذره وأخذ بثأره وأسدل الطمأنينة على قلب والديه.
انطلق عاصم مهاجماً باصاً ينقل أفراد العدو المحتل، ففجر عبوةً فيه، ثم دخله وقتل من فيه من الرجال، وأخلى سبيل النساء والأطفال، وانسحب إلى موقع قريب يرقب المركبات المارة، حتى حضرت سيارة من حرس الحدود ظنوا أن العملية قد انتهت فقاموا بحمل الإصابات والقتلى، وهنا انقض عليهم عاصم وقتل جميع من كان في السيارة، إضافةً لركاب سيارتين، ثم تريث منتظراً المزيد، حتى جاءت سيارة الإسعاف فهاجمها وأطلق النار على السائق، الذي فقد السيطرة وانحرف بالسيارة متسبباً في دهس الشهيد عاصم واستشهاده.
شهادة عاصم كانت برداً وسلاماً على قلب والديه، فقد وجدت العائلة في رده الدرس القاسي للاحتلال، كما حظي برضا والديه قبل استشهاده، حين اتصل عليهم طالباً من أمه الدعاء وموصياً إياها برعاية ابن أخيه الشهيد محمد، ومودعاً إياهم على أمل اللقاء في جنات الخلد، عند مليك مقتدر.