كثيراً ما يقول الأسرى في سجون الاحتلال إن الصبر عند الأسير يمتحن في ثلاث لحظات: الأولى هي فقدان عزيز خارج السجن، والثانية هي اليوم الأول من رمضان، والثالثة هي اليوم الأول في العيد، وبين هؤلاء يتجلد الأسرى ويعضون على زمهرير الصبر، لعل لحظات الفراق تنتهي وتختم معها سجل معاناتهم.
لكن الأسرى من طلبة الجامعات يواجهون لحظة أو موقفاً رابعاً، وهو حرمانهم من التخرج وتأخير دراستهم الأكاديمية نتيجة استمرار اعتقالهم، هذه الأيام يبدو القلق تجاه التخرج والتسجيل ومتابعة المواد أمراً عابراً أمام رمضانٍ قاسٍ، اجتمعت فيه جوائح الأسر بكورونا بغياب الأحبة، وغدا السجن أضيق كثيراً مما رأته عيونهم في اللحظة الأولى.
اليوم هناك أكثر من 500 أسير فلسطيني انقطع بأسره عن جامعته وحياته الأكاديمية، من بين هؤلاء من ينتظر انتهاء الفصل الدراسي ليعلن تخرجه، لكنه يتواجد حالياً في العزل الانفرادي، وفي مراكز التحقيق المختلفة، وحتى في مشافي السجون، وجميع هؤلاء محرومون من زيارات الأهل والأقارب خلال شهر رمضان نتيجةً لجائحة كورونا التي تنتشر بكثرةٍ في الكيان الصهيوني.
معاناة هؤلاء الأسرى لا تقتصر عليهم بل ترتبط أيضاً بذويهم وأحبائهم، فيما يخيم الخوف على حياتهم وصحتهم في الأجواء نتيجةً لإمعان الاحتلال في إهمالهم والإساءة إليهم، من بين هؤلاء الأسير الطالب في جامعة بيرزيت محمد حسن، والذي أشارت الفحوص الأولية التي أجريت إثر اعتقاله لإصابته بفيروس كورونا المستجد، وطالبت عائلته مراراً وتكراراً بالإفراج عنه لضمان وضعه الصحي، لكن الاحتلال تجاوز حق محمد الإنساني والصحي واستمر باحتجازه، بل وعاد لإجراءاته السابقة من تحقيق وتنقل بالبوسطة إثر التأكد من عدم إصابته بالفيروس بعد عدة أيام.
محمد ليس وحده الغائب عن مائدة آل حسن، تنضم له أخته الأسيرة شذى حسن، طالبةٌ في جامعة بيرزيت، تقضي أسرها برفقة 3 طالبات أخريات من الجامعة، يجمعهن التضحية من أجل الوطن، وتفتقدهن عائلاتهن في أول رمضانٍ لهن منذ الاعتقال، ومنذ اعتقال شذى لم تسمع عائلتها صوتها سوى مرةً واحدة وللحظات معدودة، طمأنت عائلتها على أوضاعها واستودعتهم بالحفظ والصون.
يزداد الأمر سوءاً بالنسبة للنشطاء والطلبة الفلسطينيين خاصةً وأن الاحتلال لا يتورع عن الاستمرار بملاحقتهم واعتقالهم خلال الشهر الفضيل، فقد تم اعتقال ما يزيد عن 7 طلبة من جامعات الضفة الغربية منذ بداية الشهر الفضيل، وتم إخضاعهم لتحقيقٍ قاسٍ لا يراعي حاجاتهم خلال هذه الأيام، ولا يستجيب لأي حقوق إنسانية أو دولية.
يشير والد الطالب محمد حسن إلى وجود ثلاثة طلبة من جامعة بيرزيت في تحقيق المسكوبية حالياً، فالطالب "عبد الرحمن حمدان"، أسير سابق، تسبب الاحتلال في حرمانه من التخرج لثماني سنواتٍ متواصلة، وفقد حقه في فرحة خطوبته نتيجةٍ لملاحقات الاحتلال والسلطة، والطالب "باسل فليان"، الأسير السابق والمعتقل السياسي أيضاً، خرج مسرعاً من سجون السلطة ليلتحق بالفصل الصيفي على أمل أن يحظى بالتخرج سريعاً، لكن الاحتلال اعتقله وحوله للاعتقال الإداري الجائر، واليوم أعاده إلى تحقيق المسكوبية.
يضيف الوالد ماجد حسن، إلى أن الطالب "عبد الرحمن علوي" أيضاً يشارك ابنه في ألم التحقيق بالمسكوبية، وهو ألمُ يضاف إلى محاولات الاعتداء عليه من خلال إطلاق النار على سيارته، وتعذيبه بوحشية في سجون السلطة ومن ثم التحقيق القاسي في سجون الاحتلال، وعائلة عبد الرحمن علوي تفتقده اليوم هو وأخوه يحيى على مائدة الإفطار، وهؤلاء جميعاً جزءٌ من كثيرٍ من الأسرى الطلبة يتم اهمالهم وعدم الالتفات لسنوات عمرهم التي تمضي بعيداً عن خطها الطبيعي وعن الإنجاز الأكاديمي أو العملي.
ويبدو من الصعب حصر انتهاكات الاحتلال بحق الأسرى الفلسطينيين ككل خلال الشهر الكريم، فمن حرمانهم من الزيارات والتواصل مع الأهل، إلى تقديم الطعام السيء لهم كماً ونوعاً، ومن ثم حرمانهم من أداء شعائرهم الدينية كصلاة التراويح جماعة، وحلقات الذكر وحفظ القرآن، إضافةً لاقتحامات الغرف ونقل الأسرى إلى العزل وإعادتهم للتحقيق دون مبرر، ونقلهم بالبوسطة ما بين السجون والمحاكم بشكلٍ مؤلمٍ وقاس لا يراعي أجواء البرد والحر وحاجات الأسرى.