تسع مؤبدات وسبعة أعوام.. وإن كان هذا الحكم سنيناً عجافاً للكثيرين فهو بالنسبة لإسلام صالح محمد جرار دربٌ جديد من دروب المقاومة، يخطه بعزيمته، ويزيده الإصرار اخضرارا ومضاءً، مضى من هذه المؤبدات 17 عاماً، ما زال يقضيها إسلام بثبات وصبرٍ ويقين.
في عام 1973 ولد إسلام صالح محمد جرار، في بلدة برقين القريبة من مدينة جنين، عُرف عنه الالتزام في صغره وحسن التربية والخلق، كان ولا يزال مقرباً من والديه وحنوناً عليهما، وقد عُرفت عائلته بحب العلم والأدب، فوالده هو الأستاذ الشاعر صالح جرار، الذي خدم في سلك التربية والتعليم لأكثر من 55 عاماً، وأمه المربية رجاء جرار التي خدمت في مدارس مدينة جنين لمدة طويلة.
درس الابتدائية والثانوية في مدارس بلدته ومدينته، ثم التحق بجامعة القدس أبو ديس، لدراسة برمجة الحاسوب، وبرز فيها ناشطاً في الكتلة الإسلامية، مميزاً في أدائه، خدوماً لإخوانه، حتى أضحى أمير الكتلة وسيد القلوب فيها، واستمر في عطائه حتى تخرجه عام 1997.
خلال حياة إسلام لم يكن بعيداً عن ميدان المقاومة والجهاد، بل كان الأسر والمطاردة ديدنه، فقد اعتقل لأكثر من 6 مرات، ما بين سجون الإحتلال ومعتقلات السلطة، ونشط إثر انتفاضة الأقصى شعبياً وعسكرياً، حتى امتدت مطاردته لأكثر من عامٍ كامل، عمل خلاله مع ثلةٍ من نشطاء كتائب الشهيد عز الدين القسام ومجاهديها، وكان من بينهم الشهيد نصر جرار، والشهيد قيس عدوان، والشهيد مازن فقها.
لم تكن لحظة اعتقال إسلام عادية، بل كانت مشحونة بالنسبة له وللكثيرين، ذلك أنها كلفت جيش الاحتلال الكثير من التخطيط والعملاء والمعدات والأسلحة، والكثير من الرصاص أثناء الهجوم على مخيم جنين، حتى تمكنت مع اعتقاله مع الشيخ جمال أبو الهيجا، وخضع إثر ذلك لعملية تحقيق قاسية ولعزلٍ انفرادي استمر لأشهر، حتى تم الحكم عليه بالمؤبدات التسع، متهماً بالوقوف وراء عملية صفد الاستشهادية.
ورغم قساوة الحكم وبشاعته قابله إسلام بالإبتسام والشجاعة، وشد من أزر والديه، وواساهما بالقول: "هذا حكم الله، ونحن لا ندري أين يكتب لنا الله الخير".
الخير هو ما سعى له إسلام في سجنه، وفي أحلك لحظاته، فلم يستسلم للأسر بل سعى لإكمال دراسته الأكاديمية، وحصل على شهادة الماجستير في الدراسات الإسرائيلية، كما خاض مع إخوانه الأسرى نضالهم وإضرابهم عن الطعام، وأصبح عضواً في الهيئة القيادية العليا لأسرى حماس لأربع مراتٍ متتالية، ما بين عامي 2012-2019، وكان آخر إنجازاته كتابه "نصر الطيار"، الذي وثق فيه مسيرة قائد القسام نصر جرار وابنه أحمد، ودورهما في مقارعة الإحتلال.
وتبقى أصعب اللحظات في الأسر، هي تلك التي يُكتب فيها للموت أن يكون مفرقاً كما لجدران السجون، وأن ينتهي الأمل بلقاءٍ دنيوي يجمع الأحبة، حيث فقد إسلام والدته عام 2016 بعد معاناتها الشديدة مع المرض، وحرمان الاحتلال المطول لها لزيارة فلذة كبدها إسلام، رحلت والدة إسلام وحضنه الدافئ وأمله في اللقاء، لكن سعيه للحياة والمقاومة لم يخمد ولم يخفت، ولم يلين.