في مثل هذا اليوم ارتقى على أرض فلسطين ثلة من الشهداء، مثّل كلٌ منهم أيقونة في التحدي، ونموذجاً مشرقاً للحركة الطلابية في جامعته. ارتقت أرواحهم على هدف واحد، في مكانٍ واحد، وفي زمنٍ واحد، لكن لكلٍ منهم قصة مختلفة، حتى وإن التقت دروبهم.
مجدي بلاسمة
عام 1983 ولد المجاهد مجدي بلاسمة، في مخيم بلاطة شرق مدينة نابلس، وكان منذ اللحظة الأولى بلسماً على قلب عائلته ومحبيه، تربى على الالتزام وطريق الخير والفلاح، وتميز في علاقاته بالجميع، جيراناً وزملاءً وأقارب، أنهى مجدي تعليمة الابتدائي في مدارس الأونروا بمخيم بلاطة، ثم انتقل إلى مدرسة سمير سعد الدين لمواصلة تعليمه الثانوي، ومنها إلى جامعة القدس المفتوحة، حيث التحق بكلية التربية.
ما بين مدرسة سعد الدين وجامعة القدس المفتوحة عرف الشهيد طريقه نحو مسجد النصر، ومنه انطلق للمشاركة بفعالية في أنشطة الحركة الإسلامية بمدينة نابلس.
وعلى هذا الطريق صنع خاتمته، وأطلق بوصلته، حتى جمعته دروب الايام بقادة ومجاهدي كتائب القسام في طوباس، وكان له أن يختم حياته بصحبتهم، مجاهداً مقبلاً غير مدبر، مفكراً، عازماً على إلحاق الخسائر بالعدو وإثخانه حتى النهاية.
أشرف دراغمة.. "الصقر"
من جامعة القدس المفتوحة أيضاً خرج أشرف دراغمة، هذه المرة من أرض طوباس، وكان كما رفيقه قيس عدوان، ناشطاً في الكتلة الإسلامية، قبل أن يتميز ويحمل على عاتقه عبء إمارتها في الجامعة.
ولد أشرف حمدي دراغمة عام 1973، في بلدة طوباس، صنعته مساجد طوباس ومدارسها، وعُرف بين أهلها بحسن الخلق وكرم الطبع وعزة النفس، ولم يكن انضمامه للجناح العسكري لحركة حماس محض صدفة، بل هي رغبته وثباته الدائم وتصدره للأنشطة الميدانية والاجتماعية والتنظيمة في طوباس وفي جامعة القدس المفتوحة.
أدرك أشرف أساليب الاحتلال في سنٍ مبكرة، وذلك حين اعتقل قبل أن يتجاوز عمره الـ 13 عاماً، ولاحقاً اعتقل عندما كان عمره 18 عاماً، لمدة خمسة أشهر، واعتقل لمرةٍ ثالثة في عمر الـ 19، وفي عمر الـ22 لمدة 3 أعوام، قضاها صقراً كما عُرف عنه، حصل على شهادة الثانوية العامة، وتوفي والده خلال تلك الفترة دون أن يتمكن من رؤيته، ورغم قسوة الاعتقال الإداري وظلمه، فقد أثبت صلابةً وعزيمةً في التحقيق والصبر لا تلين.
بعد إطلاق سراحه التحق الصقر بجامعة القدس المفتوحة، تخصص التربية الإسلامية، كما عمل في الزراعة والتجارة، ومدرساً في مدرسة الإيمان برام الله، حتى اعتقل في سجون الاحتلال الصهيوني، ومن ثم على يد أجهزة السلطة الفلسطينية، وبقي محتجزاً حتى قبل نحو شهرين من استشهاده، وبقيت هويته الشخصية محتجزة لدى هذه الأجهزة حتى بعد استشهاده.
الشهيد سويطات.. مقدام لا يهاب الموت
عام 1981 ولد محمد علي سويطات، في مخيم جنين، وفي ذات المخيم قضى لحظاته الأخيرة دفاعاً عنه، تلقى تعليمه في مدارس المخيم، وتعلق قلبه بمساجد المخيم، وكان داعمه في ذلك التشجيع المستمر من قبل أخاه الأكبر الشهيد يوسف سويطات (منفذ أحد العمليات الاستشهادية في مستوطنة الخضيرة) الذي كان قدوة له في الالتزام والمواظبة على العبادات.
أكمل الشهيد تعليمه في معهد الطيرة الصناعي في مدينة رام الله لمدة سنتين حيث تعلم هناك في قسم الميكانيكا وتصليح السيارات، وبعد إتمام دراسته، عاد لمخيمه وحاضنته، وعمل في أحد ورش تصليح السيارات هناك.
عُرف الشهيد بمشاركته الفاعلة في التظاهرات ورشق الحجارة على الحواجز العسكرية الصهيونية المتواجدة حول مدينة جنين وخاصة في منطقة الجلمة إلى الشمال من مدينة جنين، ومع تصدر جنين لجبهة المقاومة الفلسطينية، دربه أخاه الشهيد يوسف على حمل السلاح والقنص به مما أكسب الشهيد نضال مهارة جيدة بهذا المجال.
الشهيد محمد كميل
ولد الشهيد محمد كميل في العام 1974 في بلدته قباطية قضاء جنين المحتلة، لأسرة ملتزمة.
رافق في حياته الشهيد رائد زكارنة، واعتقل لأول مرة لدى الاحتلال عام 1993، ليتكرر اعتقاله بعد ذلك 7 مرات، قبل أن تعتقله أجهزة السلطة 3 شهور وتعرضه لتعذيب وحشي.
التحق شهيدنا بجامعة القدس المفتوحة عام 1997 بقسم التربية الإسلامية، ونشط عقب ذلك في صفوف الكتلة الإسلامية، وعرف بخدمته لزملائه الطلبة.
النهايات المضيئة
في الخامس من إبريل 2002، اليوم الثالث لعملية السور الواقي التي استهدفت استئصال المقاومة في الضفة الغربية، جمعت النهاية المضيئة كلاً من مجدي البلاسمة، وأشرف دراغمة، وقيس عدوان، وسائد أبو عواد، ومنقذ صوافطة، ومحمد كميل.
وعلى مدى 6 ساعات من القتال غير المتكافئ، التقى الخصمان، 6 حملوا إيمانهم وبنادقهم وعزيمتهم، ومئات اجتمعوا مع طائراتهم ودباباتهم ومدافعهم.
ما كان لمنقذ صوافطة، من فتح بيته وذراعه للمقاومة أن يتنحى في اللحظة الأخيرة عن شرف الشهادة، وما كان لأبي جبل قيس عدوان مهندس عمليات القسام وذو العزيمة الصلدة أن يستسلم، ولا لسائد أبو عواد مهندس تصميم وتصنيع صواريخ قسام 2 أن يتراجع، ولا للأبطال مجدي البلاسمة وأشرف دراغمة ومحمد أبو كميل أن ينحنوا أو ينهزموا، بل كان لكلٍ منهم درعه وعزيمته، وتوقه للجنان وسعيه للشهادة لا يتخلى عنه، حتى ارتقت أرواحهم سلم الجنان، فإلى جنان الخلد يا كوكبة الشهداء.