إذا كان قيس عدوا قد عُرف بالنسبة لأصدقائه وأحبائه بكونه رجلاً ملتزماً، نشيطاً، قوي الشخصية، وقادراً على التوفيق بين مختلف ألوان الطيف الفلسطيني، فإنه بالنسبة لأعدائه حمل ثلاث سمات مكنته من أن يكون عدواً خطراً بدرجةٍ كبيرة بالنسبةِ لهم، أولها قدرته على صنع المتفجرات، وثانيها خياله اللوجستي الذي مكنه من تدبير هجمات محكمة على جنود الإحتلال ودولته، وأخيراً قدراته القتالية الفائقة.
وكحال كثيرٍ من الشهداء لم يعبق عطر قيس عدوان إلا بعد استشهاده، وذلك حين تناولت الصحف مسؤوليته عن عددٍ من العمليات الاستشهادية التي أثخنت جراح العدو وأوقعت بين صفوفه أكثر من 31 قتيلاً.
منذ البداية عُرف قيس عدوان بصلابته، فكان يُكنى بـ "أبي جبل"، ولد عام 1977 في بلدة سيريس، لعائلة ملتزمة، دفعه دفء التزامه لأحضان جماعة الإخوان المسلمين في مرحلةٍ مبكرةٍ من حياته، فكان من رواد المسجد الكبير في مينة جنين، وأتقن على يد محفظيه حفظ قسمٍ كبيرٍ من القرآن الكريم، وأتم تجويده.
في عام 1995، أنهى عدوان تعليمه في الفرع الثانوي العلمي بمعدل مرتفع أهله للالتحاق بكلية الهندسة في جامعة النجاح الوطنية، قسم الهندسة المعمارية.
تعرض عدوان في بداية حياته الجامعية للملاحقة والاعتقال السياسي على يد أجهزة السلطة الفلسطينية، فاعتقل في سجن الجنيد المركزي لمدة تفوق الست أشهر، وإثر الإفراج عنه اعتقل مجدداً من قبل الاحتلال الصهيوني، ضمن سياسة واحدةً من التنسيق الأمني المشترك ومحاربة الدعوة الإسلامية ونشطائها.
التفوق لازم عدوان في حياته الأكاديمية ونشاطه النقابي، فكان من أكثر الطلبة نشاطاً وعطاءً، مما جعله يتدرج في مسالك الكتلة الإسلامية حتى أصبح عضواً في مجلس الطلبة وهو في السنة الثالثة، ورئيساً لمجلسها في العام الأخير قبل تخرجه 2000، وذلك بعد ما أبداه من تميز في أدائه النقابي، وما ناله من محبة الطلبة له، إذ تجد الطلبة دائما يسألون عن قيس عدوان، لشدة محبته لإخوانه الطلبة، وحرصه على مصالحهم..
مع اندلاع انتفاضة الأقصى تألق قيس عدوان في صفوف العمل العسكري، فانتسب إلى كتائب الشهيد عز الدين القسام، وكانت باكورة أعماله الجهادية عملية "وادي عارة" والتي نفذها المجاهد زيد الكيلاني.
تطورت قدرات عدوان بشكلٍ لافت وفي مدة وجيزة، واستطاع اتقان صنع الأحزمة الناسفة بسرعة، ومن بين يديه خرج القسامي الاستشهادي عز الدين المصري لينفذ عملية "مطعم سبارو" والتي قتل فيها أكثر من 19 صهيونيا.
تنوعت العمليات التي أشرف عليها المهندس قيس عدوان بدءاً بالعمليات الاستشهادية مروراً بعمليات صنع صواريخ القسام مع رفيق دربه القائد القسامي سائد عواد، إلى عمليات اقتحام المواقع العسكرية ومن أشهرها عملية اقتحام معسكر "تياسير" والتي نفذها قبل نحو شهرين الاستشهاديان صالح كميل وأحمد عتيق من جنين، إلى عمليات تفجير الدوريات والآليات الصهيونية على الشوارع الالتفافية.
استمر جهاد عدوان حتى استطاع عملاء الاحتلال، وأذناب السلطة الوصول إلى مكانه في بلدة طوباس، حيث احتمى مع مجموعة قسامية أخرى للاستعداد لعملياتٍ جهادية مشتركة، وفي صبيحة يوم الجمعة الخامس من نيسان لعام 2002 حاصرت قوات ضخمة من الاحتلال الصهيوني، وشاركتها الدبابات وطائرات "الأباتشي" المنزل الذي اجتمعت فيها الخلية القسامية.
طالب جيش الاحتلال الشهداء القسامين تسليم أنفسهم ولكن دون جدوى، خاصةً أنها لم تجرؤ على اقتحام المنزل، فأقدمت على قصفه وإطلاق النار عليه بكثافة، مما أدى الى استشهاد المجاهد قيس عدوان وإخوانه بعد سبع ساعات من معركة غير متكافئة قادها قيس بسلاحه الذي عشقه وأحبه "الأم 16" في حين ملك العدو الطائرات والدبابات والأسلحة الفتاكة الثقيلة.