الذكرى الـ24 لاستشهاد الطالب في الكلية الجامعية للعلوم التربوية رائد عبد الكريم شغنوبي

الضفة الغربية

يوافق اليوم الثالث من شهر مارس/ ربيع الأول الذكرى السنوية الرابعة والعشرين لرحيل الاستشهادي المجاهد رائد عبد الكريم شغنوبي، أحد طلاب الكتلة الإسلامية في كلية دار المعلمين في رام الله، حيث كان من حملة لواء الكتلة الإسلامية في جامعات فلسطين.


القسام ـ خاص:
تفاجأ المجاهد القسامي القائد المهندس حسن سلامة الذي أوكلت له قيادة الكتائب مهمة الرد على اغتيال المهندس يحيى عياش، بأن الاستشهادي الذي ما لبث أن انهى له حزامه الناسف، يبكي في غرفته ودموعه تنهمر من عينيه، قبل اقل من عشر ساعات على تنفيذ عمليته الاستشهادية في مدينة القدس.


المهندس سلامة اعتقد في البداية أن الاستشهادي رائد عبد الكريم شغنوبي ابن بلدة " برقة" قضاء نابلس عدل عن رأيه بتنفيذ العملية الاستشهادية، فتقدم إليه المجاهد القسامي حسن سلامة بكل حنوٍ، ليخرجه مما توقعه من مأزق ويقول له": يا رائد إن كنت قد ضعفت عن مواجهة الشهادة فلك ما تريد وتعود إلى حيث كنت وتخفي أمرنا، فكفكف دموعك..، فكان الجواب الواضح كفلق الصبح يشرق من فمه: سامحك الله يا شيخ حسن، ما يبكيني إلا شوقي للشهادة، فلقد رأيت السماء تفتح ويشرق منها ضوءٌ ساطعٌ وسمعت مناديا ينادي بالقول: عجِّل يارائد نحن بانتظارك، فعانقه سلامة بحرارة لشدة تأثره بما سمع.

سلامة يروي للقسام

في صباح الأحد 3/3/1996م، كانت مدينة القدس على موعد مع شهيد يُلبسها حليِّها الذي تحب، ويلقي عليها تحيةً قساميةً، ويزيل عنها شيئاً مما علق بها من احتلال في الحافلة العاملة على خط 18 للمرة الثانية خلال الأسبوع ، فمن مدينة رام الله كان المنطلق، حيث صعد الاستشهادي القسامي رائد شغنوبي السيارة وقلبه يرفرف ويكاد يطير من أضلعه فرحاً، وبصحبته القائد المهندس القسامي حسن سلامة، أما سائقهم فكان القسامي المجاهد أكرم القواسمي من مدينة الخليل، وفي حين انشغل الجميع بالدعاء لله أن يكون التوفيق حليفهم، كان يقطعه بين الفينة والأخرى إلحاح الاستشهادي شغنوبي للسائق بزيادة السرعة، دون ملاحظة أن عداد السرعة يلامس الحد الأعلى للسرعة المسموح بها، فيأتي الرد: "صلي عالنبي يا شيخ"، ليكون الجميع بعد اقل من ساعة في موقف الباصات أو ما يسمى بالعبرية: " التحناه" بمدينة القدس، وحينما نزل رائد من السيارة وعانقه أبو العبد -وهو الاسم الحركي للقسامي المهندس حسن سلامة- طلب منه شغنوبي أن يفصح له عن اسمه الحقيقي ليشفع له يوم القيامة إن شاء الله، فرد عليه سلامة: أن سلم لي على المهندس يحيى عياش وبلغ الرسول عليه السلام منا التحية، وطلب منه أن لا يغادر إلا بعد رؤيته الإشارة الضوئية المحاذية للمحطة تعطي ضوءً أخضراً حتى نتمكن من مغادرة المكان.

اللحظة الأخيرة

 صعد الاستشهادي رائد شغنوبي الحافلة وهو يلوح بيده للقساميين: سلامة والقواسمي أثناء المغادرة بعد أن اخذ مكانه في مقعد مناسب وسط الحافلة، وبعد أن شعر بإعطائه الوقت الكافي للمجاهدين بالمغادرة وتحركت الحافلة التي امتلأت كلُ مقاعدها، كان الوقت المناسب للاستشهادي شغنوبي بان يضغط على زر التفجير بعد أن هتف بتكبيرة ليزلزل المدينة المحتلة التي رقصت فرحاً بانفجارٍِ عنيف دمر الحافلة وتطاير حطامها في دائرة قطرها خمسين متراً تقريباً، وأعلن المتحدث الرسمي باسم الشرطة العسكرية عن مقتل 19 صهيونياً بينهم 3 جنود وجرح 10 آخرين كانت جروح 7 منهم بالغة الخطورة.
ويقول المهندس القسامي حسن سلامة، الذي التفت إلى الوراء بعد سماع الصوت المهول: رأيت الحافلة ترتفع إلى السماء وكأنها كتلة ملتهبة!!!.

على موائد القرآن

في بلدة "برقة" شمال مدينة نابلس في الضفة الغربية ولد الاستشهادي القسامي البطل رائد عبد الكريم شغنوبي في العام 1979م، في عائلة كريمة النسب ملتزمة بالأخلاق والتعاليم الدينية، تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدرسة ذكور برقة الثانوية، أما تعليمه الديني والحركي والإخواني فقد تلقاه في مسجدها الكبير بوسط البلدة، ليكون بعدها من اللبنات الأولى لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في البلدة عند انطلاقتها في العام 1987م، ومن الركائز الأولى التي بنت عليها الحركة نشاطها فيما بعد مع المجاهد القسامي المعتقل سليم حجة، حيث كانا من أبرز المشاركين في الانتفاضة المباركة التي انطلقت في 8-12-1987م، ضمن مجموعات حركة حماس المجاهدة التي كانت تسمى بـ"السواعد الرامية".


بعد أن أتم دراسته القسامي المجاهد رائد شغنوبي وتخرج من الثانوية العامة في العام 1994م، التحق بدار المعلمين بمدينة رام الله، وهناك كان من حملة لواء الكتلة الإسلامية الجناح الطلابي لحركة حماس في جامعات فلسطين، حيث تعرف على خيرة أبنائها ومجاهديها، والذين كان منهم الأسير القسامي المجاهد محمد أبو وردة الذي أناط به سلامة مهمة تجنيد الاستشهادي للعمليات الرد على اغتيال المهندس الشهيد يحيى عياش.

في صفوف القسام

في الوقت الذي كان الشعب الفلسطيني في كل مكان يودع فيه فارس فلسطين ومهندسها الأول الشهيد المهندس يحيى عياش، عقب اغتياله بتفجير هاتف محمول وصل إلى أذنه في 5-1-1996م، كانت عقول تلاميذ المهندس تستلم الراية القسامية الجهادي وتبايع العياش على إكمال الطريق، وفي الوقت الذي كانت تمسح فيه آلاف النساء والأطفال والشبان دموع الغضب الحرَّى التي انسابت من عيونهم، كان مهندس القسام القائد حسن سلامة ابن غزة الصمود يمسح العرق عن جبهته وهو يكمل تصنيع الحزام الناسف الأول، الذي سيتزنر به بطل القسام القادم، الذي سينال شرف الرد على جريمة اغتيال العياش.


كان المجاهد الأسير محمد ابو وردة من أول من جندهم القسامي القائد حسن سلامة لمساعدته في المهمة التي أوكلت له، والذي أناط به سلامة مهمة تجنيد الاستشهاديين لتنفيذ عمليات الرد في يعرف "مجموعات الثأر للمهندس"، أما أبو وردة الذي كان يدرس حينها في معهد "دار المعلمين" فقد لمع مباشرة في عقله بعد أن حدد له سلامة مهمته اسم شغنوبي ليقوم بالمهمة، ويعطي جوابه شغنوبي مباشرة بالإيجاب من فوره دون أي مهلة للتفكير، فهي الفرصة التي يبحث عنها طيلة سنوات من حياته، ليأخذه بعدها إلى المهندس حسن سلامة وتتوطد بينهما علاقة مميزة ويطلعه على تفاصيل ما سيجري.


بعد أن اتفق الاثنان على المكان والزمان المناسبين، عاد الاستشهادي القسامي رائد شغنوبي إلى المكان الذي كان له الفضل الكبير عليه، إلى بلدة "برقة"، ليلقي عليها نظرة الوداع الأخيرة على مساجد بلدته وجبالها وسهولها وصخورها، قبل أن ينطلق إلى مراده ويترك لبلدته التي ودعها بدموع العين الوسام الذي أوسمها به بتخريجه منها بعد تنفيذه لعمليته الاستشهادية.

مشاركة عبر :