يدرك المتتبع لتاريخ حياة قادة الحركة الإسلامية أن ميدان ظهورهم الأول وإثبات شخصيتهم القيادية مرتبطٌ بعملهم في رص صفوف الطلبة وحشدهم وتوعيتهم بأهمية المقاومة والجهاد، وهو ما ينطبق على العشرات منهم ولا سيما مؤسسي الحركة.
بدءًا بأحمد ياسين الذي تصدر المشهد الطلابي في جامعة الأزهر مؤسسًا الفرع الفلسطيني من الإخوان المسلمين، مرورًا بجمال منصور في جامعة النجاح الوطنية، وصلاح الدين دروزة في جامعة القدس أبو ديس، وصالح العاروري في جامعة الخليل، وأخيرًا قائد الأمة إسماعيل هنية أبو العبد.
في مراحل شبابه الأولى برز إسماعيل هنية في العمل الطلابي في الجامعة الإسلامية في غزة، حيث كان يدرس فيها اللغة العربية، بجانب نشاطه الرياضي والاجتماعي الذي عُرف به في مخيم الشاطئ.
حينها كان إسماعيل هنية متزوجًا وأبًا لثلاثة أطفال، ولم يمنعه ذلك من أن يواصل الليل بالنهار لتفعيل العمل الطلابي ورفده بالهمة الإسلامية، فتولى عضوية مجلس طلاب الجامعة الإسلامية في غزة المشكل من الكتلة بين عامي 1983م إلى عام 1984م قبل أن يتولى منصب رئيس المجلس في الفترة الواقعة بين 1985م- 1986م.
وحين تخرج من الجامعة عام 1987 كان على موعدٍ مع سلسلة اعتقالات متواصلة على يد الاحتلال بعد اندلاع انتفاضة الحجارة، فاعتقل لمدة ثمانية عشر يومًا، ثم تكرر اعتقاله عام 1988 و1989 حيث أمضى ثلاث سنوات في المعتقل.
ثم أٌعيد اعتقاله منتصف ديسمبر 1992 وأبعد مع أكثر من 400 قيادي فلسطيني من حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى مرج الزهور في الجنوب اللبناني.
من أبرز محطات القيادي الراحل ترؤسه لقائمة التغيير والإصلاح وفوزها الكبير في الانتخابات البرلمانية عام 2006 بـ 76 مقعداً من أصل 132 في المجلس التشريعي الفلسطيني، حيث ترأس أبو العبد الحكومة الفلسطينية العاشرة بعد فوز حركته في الانتخابات البرلمانية، مواجهًا حملة حصار وتحريضٍ دولي وعربي واقليمي وفلسطيني داخلي، وخلال تلك المُدة نقل عنه تصريحه: "سنأكل الزعتر والملح والزيتون ولن نطأطئ الهامات ولن نهون ولن نتراجع"، معلنًا التقشف عنوانًا لحكومته وتحديًا للاحتلال وأعوانه.
إثر ذلك استمرت ملاحقته وحصاره من قبل الاحتلال بل تم منعه من دخول قطاع غزة بعد جولةٍ دوليةٍ له في العام نفسه، وتعرض منزله لإطلاق نارٍ من قبل أفرادٍ محسوبين على حركة فتح، وأمام حجم الحصار العربي والدولي ارتأت قيادة الحركة أن من الأفضل تجاوز رئاسة الحكومة والاتجاه لحكومة توافق وطني، وبعد سلسلة مشاورات وقع مع الفصائل الفلسطينية اتفاق الشاطئ 2007 في منزله المتواضع بالمخيم ليتنازل عن رئاسته.
وفي العام 2017 انتخب هنية رئيسًا للمكتب السياسي لحركة حماس خلفًا لخالد مشعل ليدشن عهدًا جديدًا للحركة برفقة كلٍ من يحيى السنوار رئيس حركة حماس في قطاع غزة، وصالح العاروري رئيس حركة حماس في الضفة الغربية، مؤكدًا بوصلة الحركة نحو المقاومة والانفتاح على أي دعمٍ دولي للحركة، ومتحديًا إعلان الولايات المتحدة الأمريكية "صلته بالإرهاب" باعتباره "ذو صلة وثيقة بالجناح العسكري لحركة حماس" ليرد على ذلك بـ "انقعوه واشربوا ميته".
عام 2021 أعيد انتخاب هنية رئيسًا للحركة مرةً أخرى، حيث افتتح دورته الانتخابية بمعركة سيف الأقصى 2021 التي وضعت فيها الحركة قاعدتين في عملها المقاوم؛ الأولى هي استعدادها الدائم للدفاع عن المسجد الأقصى في مواجهة التهويد والتقسيم الزماني والمكاني، والثانية هي وحدة الساحات لتدعيم العمل المقاوم وتعزيز نتائجه.
ومع نهاية 2023 كان للحركة أن تخطو خطوتها الكبرى نحو التحرير تحت رئاسته وأن تثبت للعالم العربي والدولي أن القضية الفلسطينية ستظل حاضرة ولن تميتها جهود التطبيع ولا التصفية، ليُكتب له أن يستشهد بعد رفيقه صالح العاروري بأشهرٍ قليلة، محققًا مراده، رغم بعده مئات الأميال عن غزة إلا أنه استشهد مدافعًا عنها منافحًا عن مقاومتها ومصممًا حتى النهاية أن يكون "الموت في سبيل الله أسمى أمانيه"