في كتاب الباحث قصي عباسي، الذي حمل عنوان "المخابرات الإسرائيلية سقوط الأسطورة"، يحكي الكاتب قصة مهندسي كتائب الشهيد عز الدين القسام، ومن بينهم المهندس الرابع "مهند حافظ الطاهر" الذي مثل علامةً فارقةً بين مهندسي كتائب القسام، فهو وعلى خلاف المهندسين الذين سبقوه اختص بالعلم الشرعي ودرس الشريعة الإسلامية، بينما كان كل من يحيى عياش ومحيي الدين الشريف وأيمن حلاوة متخصصين بالهندسة الكهربائية، رغم ذلك فإن همته وتوقه للجهاد دفعه لتعلم صناعة المتفجرات واتقانها، فملك الأفضلين في ميدان المقاومة، صناعة السلاح، وعمارة القلب بالإيمان، ليكون كمعلمه الأول يوسف السركجي، يدٌ على الزناد وأخرى تحتضن المصحف.
ما لا يعرفه الكثيرون أن مهند الطاهر لم يكن صنيعة انتفاضة الأقصى، فمنذ نعومة أظفاره نشأ ملتزماً غير مفارقٍ للمسجد، حتى سكنه حب مسجده القريب من منزله "مسجد عاشور"، كما تعزز انتمائه المقاوم إثر التحاقه بجامعة النجاح الوطنية، لينشط في صفوف الكتلة الإسلامية، التي كانت تعاني من حصار الأجهزة الأمنية واستهدافها إثر اتفاقية أوسلو، وليرافق في تلك الفترة ثلةً ممن غدوا لاحقاً مهندسين في كتائب القسام، وشهداء واستشهاديين، وقادة ومقاومين.
ومن الكتلة الإسلامية انطلق مهند إلى ميدان عمله المقاوم الذي بدأ عام 1997، حين عمل تحت إشراف الشهيد محمود أبو هنود، وكان له دورٌ في إيصال ثلاثة استشهاديين إلى القدس لتنفيذ عمليةٍ بطولية.
لاحقاً استطاعت الأجهزة الأمنية الفلسطينية الوصول إلى اسم مهند الطاهر، فاقتادته إلى سجن أريحا لتسومه سوء العذاب لما يتجاوز السبعين يوماً دون انقطاع.
بعد ذلك تم نقل مهند إلى سجن الجنيد في نابلس، ليكمل اعتقاله برفقة قادته ومعلميه، ويستمد منهم روح العطاء والمقاومة التي ازداد أوارها باندلاع الانتفاضة، وحين أتيحت الفرصة من جديد كانت يد مهند سباقةً على الزناد ومترنمة على وتر القنبلة.
طوال تلك المدة كان اسم مهند لامعاً وناصعاً على قائمة الاغتيال الصهيونية، وازداد اسمه تألقاً برحيل واستشهاد إخوانه وأحبابه، محمود أبو هنود، قيس عداون، أيمن حلاوة، يوسف السركجي، جمال منصور وجمال سليم، ورويداً رويداً مع ازدياد العمليات الاستشهادية وتوالي المعلومات بمسؤولية مهند، احتل اسمه المرتبة الأولى في قائمة الاغتيالات، لتغدو حياته كابوساً يؤرق الاحتلال، خاصةً مع تأكيد مسؤوليته عن عمليات استشهادية أوقعت أكثر من 117 صهيونياً.
خمس سنواتٍ من المطاردة، وفي آخر سنتين لم ير مهند الطاهر وجه والدته أبداً، وخلال هذه المدة أيضاً نجا مهند من محاولات اغتيال عدة، حوصر يوماً في جبال قرية عصيرة الشمالية، وشاءت إرادة الرحمن أن يتخطاه الموت حين غادر المنزل الذي اغتيل فيه الشيخ يوسف السركجي قبل سويعات فقط، وقبل اغتياله بشهرين تمكن من الانسحاب بعد محاصرته في وسط مدينة نابلس.
منتصف عام 2002، في اليوم الأخير من حزيران حاصرت قوات الاحتلال منزل عائلة المصري، وطلبت من المقاومين الاستسلام، رد كلُ من مهند الطاهر وعماد الدين دروزة بالرصاص، وبعد اشتباك استمر حتى ساعات الفجر الأولى، ارتقى المجاهدان لجنة الخلد، وتم تدمير سكن العائلة، قوات الاحتلال لم تكتف بقتل المجاهدين وإنما سحبت جسد مهند وسكبت عليه البنزين وأحرقته.
هنا تنتهي حكاية مهند الطاهر، الشاب الخجول، الذي تعلم القرآن الكريم وعلمه في مساجد مدينة نابلس، والذي كانت حياته إثباتاً لعزيمة المقاومة، وتحدياً لخيانة الأجهزة الأمنية، وكابوساً للصهاينة، وغدا رحيله صدمةً للشباب الفتي الذي نشأ على يديه وتدرج في حفظ آيات القرآن تحت إشرافه، ورغم الطوق الأمني الذي فُرض على مدينة نابلس، فقد انطلقت الجموع الغفيرة مودعةً إياه مع رفيقه عماد الدين دروزة، ليظل بالنسبة لجامعة النجاح ولكلية الشريعة الإسلامية فيها، البوصلة التي لا تخون ولا تخطأ.