"اغتيالٌ صامت" هو ما يسعى لتنفيذه الاحتلال بحق الأسيرة وفاء جرار، الطالبة في كلية الدراسات العليا بجامعة النجاح الوطنية، من خلال إجبار الارتباط الفلسطيني على استلامها ونقلها لمشافي الضفة الغربية، دون اكتراث لصعوبة وضعها الصحي والاحتمال الكبير لتدهوره، وهي التي لم تستيقظ بعد من تأثير المخدر إثر بتر قدميها.
...
لم تكن الطالبة بجامعة النجاح الوطنية السيدة وفاء جرار ذات الـ 49 عامًا معروفةً بين جمهور الفلسطينيين إلا بكونها حاضنةً لهموم أسر الشهداء والأسرى، مشاركةً إياهم ألم الفقد والأسر لا سيما وأنها تخوض التجربة المريرة ذاتها لغياب الزوج المتواصل في سجون الاحتلال، والذي امتد لاحقًا لغياب بعض الأبناء إثر اعتقالهم.
وفيما كان المعظم في الضفة الغربية يركن إلى الصمت ومراقبة نتائج حرب الإبادة على غزة وشعبها، بقيت وفاء تواصل ترددها على أسر الشهداء والأسرى، ومع ازدياد الهجمة الصهيونية على الفلسطينيين هناك وارتفاع أعداد الأسرى والشهداء ازدادت همة وفاء وقررت وفقًا لقولها أن تكون من يغير معادلة الفقد، وأن تحول فاقد الظهير والسند والزوج والأبناء إلى أكثر من يمكنه أن يُعطي الآخرين سندًا ومؤازرة ومشاركةً بسخاء.
حياة وفاء جرار زوجة الأسير المجاهد عبد الجبار جرار لم تكن وردية يومًا بل لطالما اتسمت بالتحديات، فرغم صغر سنها عندما تزوجت عن 14 عامًا واعتقالات زوجها المتكررة والطويلة إلا أنها استطاعت أن تربي أبناءً يُشهد لهم بالتزامهم وأخلاقهم، وأن تكمل دراستها في الوقت ذاتها حتى مرحلة الدراسات العليا، وأن تبرُز في ميدانها ناشطة اجتماعية لا تخشى الملاحقة ولا الاعتقال فيما كانت رؤوس أعتى الرجال تختبئ تحت وطأة التهديد بالاعتقال.
أدوار وفاء في حياتها وتألقها الساطع لم يتوقف حتى عندما أقدم الاحتلال على اعتقالها إبان اجتياحه لجنين يوم الإثنين المنصرم، خلال عملية اعتقالها والتي جاءت قبل أيامٍ من زفاف ابنها الثاني، الذي حُرم من وجود والده بينه أسوة بأخيه الأول الذي زُف عريسًا فيما كان والده عبد الجبار معتقلًا، الاعتقال شهد لحظة تفجير المقاومة عبوة ناسفة في المدرعة التي احتجزت بداخلها وفاء.
وفيما تكتم الاحتلال عن خسائره، فقد كان صعبًا عليه أن يكتم الإصابة الخطيرة للأسيرة وفاء التي نُقلت إلى مشافي الداخل المحتل على عجل، وخلال سويعات تأكد وضعها الحرج وخضوعها لعملية بترٍ في قدميها، وبقاءها تحت التنفس الاصطناعي وداخل غرفة العناية المكثفة منذ ذلك الوقت.
رغم ذلك أمعن الاحتلال في إجرامه، بإصدارٍ حكمٍ بالسجن الإداري بحقها لأربعة أشهر، يأتي ذلك فيما لم يتمكن زوجها حتى الآن من معرفة خبر اعتقالها أو وضعها الصحي نتيجة انقطاع الاتصالات والزيارات للأسرى في سجون الاحتلال.
وكان محامي الأسيرة وفاء قد أبلغ عن زيارته لها في مشفى العفولة حيث تمكث في غرفة العناية المكثفة، فيما رفضت إدارة المشفى والأطباء تزويد المحامين بتقريرٍ طبي عن نتيجة العملية أو الوضع الصحي للأسيرة.
وحمل ابنها أمجد الاحتلال مسؤولية وضعها الصحي وتعرضها للإصابة، لا سيما وأن الاحتلال يحاول منذ سويعات إجبار الارتباط الفلسطيني على استلامها ونقلها لمشفى ابن سينا في مدينة جنين، ما يزيد من احتمال تعرض وضعها الصحي للخطر.
ورفضت عائلة الأسير قرار الاحتلال الهادف لإخلاء مسؤوليته عن إصابة الأسيرة، وتسليمها للجانب الفلسطيني مطالبة الارتباط برفض استلامها وإجبار الاحتلال على إبقاءها في مشافي الداخل المحتل حتى تتحسن صحتها، لا سيما وأن التقارير الطبية الحديثة تؤكد أن عملية إخراجها من المشفى ونقلها ستضاعف من خطورة حالتها.
حيث أكدت العائلة أن قرار الإفراج في ظل الظرف الصحي المتردي للأسيرة يحمل مضامين "اغتيالٍ صامتٍ" لها، ويتيح له ارتكاب جرائم إضافية بحق الأسيرة وعائلتها تضاف إلى جريمة الاعتقال والإصابة.