حين استشهد أحمد نصر جرار لم يكن قد تجاوز من العمر 23 عاماً، ومع ذلك فقد مثل استشهاده بالنسبة لكثيرين لحظةً مفصلية، فهو نموذج واضح وحي على الشباب الفلسطيني الجديد، الشباب الذي لم تستطع الحياة أن تأخذه بعيداً عن وطنه ومقاومته، وكانت بوصلته دائماً وبشكلٍ خفي موجهة نحو الأرض فقط.
ولد أحمد نصر جرار عام 1994، في بلدة برقين غرب مدينة جنين، وفيها درس ونشأ، والتحق بالجامعة العربية الأمريكية في المدينة بعد إتمامه شهادة الثانوية العامة، وحصل على درجة البكالوريوس في تخصص إدارة المستشفيات، ولأنه لم يجد عملاً في مجاله بعد تخرجه افتتح بقالةً وامتهن التجارة.
كان أحمد شاباً يعيش حياته كأبناء جيله، يعشق السيارات السريعة، والدراجات النارية، ويقضي أوقات فراغه بالتجوالات الشبابية مع رفاقه، ومع ذلك لم يكن بعيداً عن حياة المقاومة، فوالده هو قائد القسام نصر جرار، المقاتل الشرس الذي فقد قدميه ويده كاملةً أثناء جهاد العدو، ثم استكمل مسيرته حتى الشهادة، كما أن منزل العائلة تعرض للهدم والمداهمة مراتٍ عدة.
هذا الشبل لم يكن ليختلف عن والده، حتى لو رأى الآخرون أنه يسلك درباً اعتيادياً، ففي الخفاء كان له دربه الخاص، وذلك حين خطط ونفذ بمساعدة إخوانه وأصدقائه أحمد اسماعيل جرار، وأحمد قنبع، عملية بطولية أسفرت عن مصرع مستوطنٍ قرب مدينة نابلس بعد إطلاق النار عليه.
بعد العملية عاد أحمد إلى منزله كأن شيئاً لم يكن، يمارس حياته كالمعتاد، حتى استطاعت الأجهزة الأمنية الفلسطينية الربط ما بين سيارة محترقة على طريق جنين، وعملية المقاومة، والثلاثي أحمد جرار وأحمد جرار وأحمد قنبع، وبفعل التنسيق الأمني قام الاحتلال بمداهمة محطة المحروقات حيث يعمل أحمد قنبع واختطفته، ثم قامت بمداهمة بلدة برقين وأطلقت النار على أحمد اسماعيل جرار وقتلته، وداهمت منزل عائلة أحمد نصر جرار بحثاً عنه، لكنه كان قد خرج منذ بضع دقائق، وهكذا أصبح أحمد نصر مطارداً، فيما تم مداهمة منازل جميع أقاربه، وهدم ما لا يقل عن ثلاثة منها.
بعد 21 يوماً، ونتيجةً لعمليات بحثٍ موسعة، وصلت معلومة لجيش الاحتلال أن أحمد يختبئ في واحدٍ من ثلاث بيوت مهجورة، وحين حاصر الاحتلال المكان، حاول أحمد الانسحاب من الجهة الخلفية لكنها قامت باغتياله على الفور، واحتجزت جثمانه حتى اليوم.
ست سنواتٍ مرت منذ تلك اللحظة، كان ذلك هو يوم ميلاد والدته، وكان أحمد وحيداً في برده وصومعته، معتصماً بمصحفٍ تركه والده له، ومعتاشاً على الزيت والزيتون، على القليل من كل شيء والكثير من فلسطين وحبها، ولأجل هذا الكثير كانت نهايته بدايةً لآخرين.