يختلف البعض في المدة التي قضاها أمجد الحناوي مطارداً من قبل الاحتلال وعملائه، ويختلف آخرون في عدد المرات التي حاصرته فيها قوات الاحتلال فخرج من بين مجنزراته حياً حراً متألقاً، لكن أياً كانت النتيجة فإن مجرد قدرته على البقاء حياً وإثخان العدو لهذه المدة أو تلك لكافٍ لاعتباره بطلاً استطاع مقاومة منظومة أمنية معقدة كل هذه المدة، وكانت له النهاية الأجمل والأبهى.
عام 1972 ولد الشهيد أمجد محمد رشيد حلمي حناوي، ليكون الثالث من بين تسع إخوة وأخوات، وخلال طفولته نشأت بينه وبين مسجد الخضر علاقة قوية ليبدأ حفظ القرآن هناك، درس الاعدادية والإبتدائية في المدرسة الغزالية ثم انتقل إلى مدرسة قدري طوقان ليتم مرحلته الثانوية، حيث حصل على معدل 80% في الفرع العلمي، وذلك عام 1992.
بعد إنهائه لمرحلة الثانوية حصل على منحة لدراسة الطب في الجزائر، لكن المشاكل الأمنية التي أحاطت في ذلك البلد حينها حالت دون قدرته على الذهاب للالتحاق بدراسته هناك، فالتحق بجامعة النجاح الوطنية، أولاً بكلية الزراعة، ثم انتقل منها إلى كلية الاقتصاد، وتخصص في فرع المحاسبة.
وهناك بدأت رحلته مع كتائب الشهيد عز الدين القسام، حيث تعرف في سنته الدراسية الثالثة عام 1995 بعبد الناصر عيسى أمير الكتلة الاسلامية في ذلك الوقت، وأحد أبرز قيادات كتائب الشهيد عز الدين القسام في منطقة نابلس، وهناك تقاطعت خطوطه مع خليل الشريف، الطالب في جامعة بيرزيت، وقررا القيام بعملية مقاومة ومواجهة مع حافلةٍ تمر على الشارع الالتفافي قرب رام الله، وفي لحظة الصفر وأثناء اطلاقهما النار على الحافلة تبين لهما أنها مصفحة ومضادة للرصاص، وهنا كان الخيار الأفضل هو الانسحاب.
وبعد أن جهَّز الاثنان سلاحيهما الرشاشين، انطلقا في أحد أيام تموز من العام 1996 من مدينة نابلس صباحاً في سيارة بيضاء خاصة من نوع "ميتسوبيشي"، كان قد اشتراها امجد من شقيق الشهيد ايمن، وما أن وصلا إلى منطقة مرور الحافلة قبل الوقت المناسب بقليل، فعملا على التأكد من جاهزية سلاحيهما للعملية.
وودعا بعضهما، أملاً باللقاء في الجنة إن شاء الله، وما أن وصلت الحافلة إلى النقطة التي حدداها لبداية العملية، حتى زأر الاثنان بنداء التكبير الخالد، ووضعا اصابعهما على زناد رشاشيهما وبدءا بإطلاق النار، ولكن كانت المفاجئة!! فزخات الرصاص المنهمر كما المطر على الحافلة، لا يحدث في زجاجها المستهدف لقتل ركابها أي شيء؟!!، ليتبين أن الحافلة مصفحة ضد الرصاص، وهنا نظر الاثنان إلى بعضهما، في إشارة إلى أن الانسحاب من موقع العملية هو أفضل ما يمكن أن يفعلانه، لكن رغبتهما بالشهادة دفعتهما لاختيار هدف آخر في نفس المكان، وهي سيارة مستوطنين يهود، وكان النصر هذه المرة حليفهما.
هذه العملية الجهادية كانت مغامرة خطيرة بالنسبة لهما، فبعد انسحابهما من المكان انزلقت السيارة التي كانا يستقلانها وهوت بهم في وادٍ سحيق، لكن إرادة الله قدرت لهما النجاة مع بعض الرضوض والإصابات، ليكملا رحلتهما إلى مدينة رام الله، لكنهما نسيا بطاقة محطة غسيل السيارة، لتوصل التحقيقات إلى أمجد الحناوي، مالك السيارة، وهكذا أصبح كل من أمجد الحناوي وخليل الشريف مطلوباً لكلٍ من الاحتلال والأجهزة الأمنية وأمريكا.
فداهمت الأجهزة الأمنية بيوتهما وسكناتهما، ولاحقتهما ورصدتهما مراراً وتكراراً، وبعد تأكيدات من قبل الأجهزة بأن الاعتقال صوري فقط، سلم أمجد الحناوي نفسه عام 1996 للأجهزة الأمنية، وتم نقله لمعتقل أريحا، ليتعرف هناك على صفوة قيادات الحركة وعقولها الراجحة وقلوبها النابضة، القائد يوسف السركجي، الشيخ جمال منصور، المهندسان نسيم أبو الروس وجاسر سمارو ومحمد أبو وردة، والكثير من الأسماء والقيادات الأخرى الذين أضحوا مع نهاية انتفاضة الأقصى شهداء، وهناك حكم عليه بالسجن لعشر سنوات.
أثناء اعتقاله استطاع الالتحاق بجامعة القدس المفتوحة لإكمال دراسة المحاسبة التي لم ينهها من جامعة النجاح الوطنية، وحين رفض سجانوه نقله من مدينة أريحا إلى مدينة نابلس خاض إضراباً طويلاً عن الطعام استمر لما يناهز الشهر حتى نقل إلى مستشفى أريحا الحكومي، ونتيجة اندلاع انتفاضة الأقصى أفرجت الأجهزة الأمنية مضطرةً عنه وعن رفاقه بعد اقتحام الجماهير لبعض السجون لإخراج من فيها، ولكنه بقي متخفياً في مدينة أريحا ينتظر الفرصة الأنسب لعودته لمدينة نابلس.
بعد أن خرج من سجن أريحا، اقترن بابنة عمه في العام 2001، ورزقه الله في العام الثاني ابنه "مجاهد"، أما عن عمله فقد واصل بيع وصيانة أجهزة الحواسيب مع أشقائه، وفي الوقت ذاته كان ما يزال عضواً في الخلايا العسكرية لكتائب القسام، ونتيجة كثرة الوشايات عنه اضطر للتخفي إثر عملية السور الواقي، وتعرض منزل عائلته للاقتحام مراتٍ عدة.
كما تم محاصرته مراتٍ عدة، كان أبرزها ليلة عيد الأضحى مطلع عام 2004، حين حاصرته أكثر من عشرين آلية ومدرعة صهيونية، في إحدى شوارع المدينة، وأحضرت والده وزوجته للتحقيق معهم بهدف الضغط عليه، وطلبت من والده دعوته للخروج عبر مكبرات الصوت، لكن والده لم يرضخ لمطالبهم، فنسفت المنزل، واعتقلت زوجته لأكثر من عشرين يوماً.
استمر أمجد مطارداً بعد ذلك حتى نهاية عام 2015، حين تم محاصرته في إحدى البيوت بحي المساكن الشعبية في مدينة نابلس، وتطالب جميع الموجودين بالخروج من المكان، حينها اقتحمت قوات الاحتلال المنزل وأخرجت الحناوي حياً ثم أطلقت الرصاص مباشرةً على رأسه من مسافة صفر، ما أدى لاستشهاده على الفور أمام المواطنين، ثم هدمت سور المنزل على جسد الشهيد، مما أدى إلى تهشمه.
بعد انسحاب جيش الاحتلال، تم نقل جسد الشهيد إلى مشفى رفيديا، ومن هناك شيعه الآلاف، بمشاركة أهالي المدينة والقرى المجاورة ومختلف ممثلي القوى والفصائل الفلسطينية، ناهيك عن تواجد كثيف لطلبة الكتلة الإسلامية وناشطيها في جامعة النجاح الوطنية، لتشييع رفيقهم وشهيدهم أمجد إلى مثواه الأخير.