مجاهدٌ وداعيةٌ ومربي..حتى الرمق الأخير بقي أباً للمقاومة..ورحيله مثل الصدمة القاسية في وعي المقاومة..والفراغ الذي لم يملأه بعده أحد..
صباح ليلةٍ باردة من ليالي يناير 2002، استيقظ الفلسطينيون على نبأ عملية اغتيال نفذتها قواتٌ صهيونية خاصة بـمدينة نابلس، واستشهد فيها القائد يوسف السركجي بالإضافة إلى ثلاثة من المجاهدين وهم: كريم مفارجة، ونسيم أبو الروس، وجاسر سمارو، واليوم تعود ذكرى استشهاد القائد الصلب، المربي المخلص، والأب الحنون بكل المرارة مرةً أخرى.
ولد يوسف السركجي في مدينة نابلس، عام 1961، تلقى علومه الاساسية والثانوية في مدارس المدينة، ثم نال شهادة البكالوريوس في الشريعة من الجامعة الاردنية بعمان، وهناك التقى ودرس على يد علماء بارزين، منهم الشهيد الدكتور عبد الله عزام رحمه الله والدكاترة أحمد نوفل وفضل عباس ومحمد عويضة، ثم نال درجة الماجستير في الشريعة بعد عودته إلى فلسطين، من جامعة النجاح الوطنية في مدينة نابلس.
اعتقله الاحتلال خلال شبابه مراتٍ عدة، كما كان من أبرز مبعدي مرج الزهور، وعُرف هناك بنشاطه الرياضية وخاصة فقرة المصارعة الحرة التي جمعته بالأسير القائد حسن يوسف، اعتقل بعد عودته من مرج الزهور في سجون الاحتلال، وأخضع لتحقيقٍ قاسٍ حتى تدهورت صحته، ثم أطلق سراحه وأبُعد إلى قطاع غزة، ومن هناك أعيد إلى نابلس وأدخل للمشفى وتم استئصال إحدى كليتيه.
لاحقاً اعتقل لدى أجهزة السلطة، بعد اكتشاف معملٍ للمواد المتفجرة في منطقة وادي التفاح بنابلس، وتدهورت صحته مرةً أخرى من شدة التعذيب، كما نقل من سجن الجنيد إلى أريحا وتم توجيه تهمٍ له بالعمل في قيادة كتائب القسام في الضفة.
بعد قصف الاحتلال لعددٍ من مراكز الاعتقال التابعة للسلطة الفلسطينية إبان انتفاضة الأقصى، تم إطلاق سراحه، واختفى مع عددٍ من شباب كتائب القسام في الضفة الغربية، وكان أقسى ما في نهاية هذا الاعتقال أنه حُرم هو وعائلته فرصتهم الأخيرة من أن يمارسوا حياة أسرية طبيعية، حيث كان الخيار الوحيد المتاح أمامه بعد أن أطلق سراحه أن يعيش مطاردًا، وكان هذا منذ بداية شهر ايار2001 وحتى تاريخ استشهاده.
في مطلع عام 2002 استيقظت نابلس على مجزرة مروعة، حيث تسللت مجموعة من الوحدات الخاصة إلى المدينة من جهة الشمال وطوقت شقة سكنية تقع في الدور الأرضي من بناية مؤلفة من تسع طبقات في شارع عصيرة في الجبل الشمالي يتواجد بداخلها أربعة من قادة كتائب الشهيد عز الدين القسام، إضافةً للشيخ يوسف السركجي كان هناك معه "نسيم أبو الروس" و"جاسر سمارو" و"كريم مفارجة"، ثم قامت باقتحام المكان خلسةً واغتيالهم بدمٍ بارد، شيعت نابلس شهدائها العظام في ذلك اليوم، والحزن يسكن القلوب والمدامع على فراق نجوم كتائب الشهيد عز الدين القسام، وشيخها الداعية الحنون.
ومما يذكره عنه أهل بيته، عن حنيته ودفئه، أنه كان أثناء غيابه عن بيته يسجل لابنته الصغرى صفاء شريطا مسجلا يحادثها به وينشد لها الأناشيد المحببة ويطلب إليها أن تردد معه وكأنه إلى جانبها، ما دفعها أن تتخذ هذا الأمر كعادة محببة حتى بعد استشهاده فداومت صفاء، وهي صغرى أبناء الشهيد وبناته، على الوقوف أو الدوران حول قبره والنشيد له قبل أن تذهب إلى مدرستها، ومما يؤلم صفاء ويؤرقها أنها لم تنعم بدفء وحنان والدها الشيخ الشهيد مدة كافية فهي تصف حياتها مع والدها بقولها: "أبي عاش معنا مشاهد وصور فقط." وأمنيتها أن تنام في حضنه في الجنة حتى تعوض ما فقدته في الدنيا مما تنعم به غيرها من فتيات جيلها.