الضفة الغربية
القسام ـ خاص:
"أنا اخترت هذه الطريق وسأكملها حتى النهاية، وأقسم أن لا أسلم نفسي لقوات الاحتلال إلا شهيدا"، بهذه الكلمات بدأ شقيق الشهيد القسامي سامر عرار حديثه عن أخيه الذي أستشهد صباح الخميس 12 شباط عندما حاولت قوة صهيونية خاصة اعتقاله أمام منزله.
يضيف عبد السلام عرار 41 عاما عندما حاولنا إقناع أخي سامر بتسليم نفسه لقوات الاحتلال التي كانت تطارده منذ ما يقرب من عامين في الجبال المحيطة بقرى بني زيد شمال مدينة رام الله، كي ينجو بنفسه من سعيهم لقتله، حسم نقاشنا ومطالبنا مقسما أمام أنه لن يسلم نفسه لهم إلا شهيدا.
الوفاء بالقسم
وفي يوم 12/02/2004 كان موعد القسامي سامر جاسر فوزي عرار 29 عاما مع الشهادة ابن قرية الشهداء "قراوة بني زيد" التي قدمت عشرة شهداء خلال الانتفاضة الحالية، بعد ملاحقة استمرت عامين كاملين قضاهما بعيدا عن أطفاله وأسرته التي اشتاقت إليه وحضر اليوم لرؤيتها فكان عرس شهادته.
ويروي شقيق الشهيد الأكبر فوزي عرار تفاصيل استشهاد أخيه الذي يقطن معه في نفس البناية قائلا: كان ذلك في الساعة التاسعة صباح الخميس عندما حضر الشهيد عرار وصديقه إمام مسجد القرية الشيخ أبو علي إلى منزله خلسة لتناول طعام الفطور برفقة زوجته وأطفاله الثلاثة، الذين انتزعهم رغم أنف الاحتلال الذي حاول أفساد حياته الأسرية دوما ولكن دون جدوى.
وعند وصولهما إلى المنزل لاحظ سامر سيارة من نوع فورد تتجه نحوه والشيخ أبو علي، وعلى الفور أيقن سامر أنهم من القوات الخاصة الصهاينة الذين حضروا لاعتقاله أو قتله.
حول سامر دون جدوى الفرار منهم متوجها إلى أحد الحقول القريبة ليفاجئ هناك بوجود مجموعات أخرى من جيش الاحتلال تحاصر الحي بأكمله ويشرعون في إطلاق النار عليه بشكل عشوائي وفي كل الاتجاهات، ليسقط على الفور شهيدا ويبر بقسمه في عدم تسليم نفسه لهم إلا شهيدا.
تركوه ينزف حتى الموت
يضيف شقيق الشهيد الذي لم يعد يتمالك نفسه ليكمل الحديث رغم علمهم أن أخي أصيب بخمس من رصاصاتهم القاتلة التي أطلقوها نحوه بينما كان يفر هاربا منهم في أحد حقول اللوزيات القريبة من المنزل، إلا أنهم رفضوا السماح لسيارات الإسعاف الفلسطينية التي حضرت لإنقاذ حياته من الوصول إليه.
وبعد قرابة ساعة من إصابته التي تركزت في الصدر والرأس والبطن وبعد أن نزف دمائه جميعها، وعلى ما يبدو أن جنود الاحتلال تأكدوا من استشهاده، حضرت سيارة إسعاف عسكرية صهيونية تابعة لجيش الاحتلال وقامت باختطاف جثته إلى جهة غير معلومة.
كل هذه المشاهد المريعة يضيف فوزي عرار حدثت أمام بصر زوجته وأطفاله الثلاثة الذين لم يتجاوز عمر أكبرهم وهي الطفلة صفاء خمس سنوات التي شاهدت والدها وهو ويقتل أمامها.
وينهي حديثه بانفعال وحرقة كانت عملية إعدام مبرمجة، لم تستهدف أخي وحده بل استهدفت العائلة جميعها، الأطفال الصغار الذين قتل أبيهم أمام ناظرهم، وزوجته وأخواته اللواتي سيتذكرن هذه اللحظة المرعبة ما حيين".
العائلة تبكي شهيدها
ما أن وصلت جثة الشهيد إلى مستشفى رام الله الحكومي بعدما تبين أن قوات الاحتلال نقلتها إلى مستوطنة حلميش القريبة من القرية ثم سلمتها لأحد طواقم الإسعاف الفلسطينية، حتى تجمع العشرات من أبناء القرية لتأكد من نبئ استشهاده ومواساة أهله في مصابهم.
هناك تجلت آلام الزوجة الأخوة والأخوات الثكالا الذين لم يعرفوا ما حصل إلا عند وصولهم حيث تبين لهم ان أخيهم فعلا قد استشهد ولم يعد هناك أمل في حياته كما يقول شقيقه فوزي.
جلست النساء يبكين شهيدهن سامر الذي عاش كريما مطاردا ومات شجاعا متحديا كما يراه أحد أهل قريته الذي حضر صغيرها وكبيرها إلى مستشفى رام الله للمشاركة في تشيع جثمانه إلى مسقط رأسه عقب صلاة العصر.
القرية تتذكر سامر
ويروي أهالي القرية أن الشهيد سامر نشأة من نعومة أظافره محبا للصلاة مواظبا عليها في مسجد القرية، يعمل دوما في سبيل الله، بين الشباب الإسلامي الذي عمل من أجله وأفنى حياته في سبيلها.
وقد نشط في فترة لاحقا في حركة المقاومة الإسلامية حماس في القرية شارك في المخيمات الصيفية ، إضافة إلى الإفطارات الجماعية التي كان تقام في المسجد.
تعرض الشهيد عرار في الانتفاضة الأولى للاعتقال والتحقيق على أيدي قوات الاحتلال مرتين ، وفي كلتا المرتين أمضى عدة أشهر ثم أطلق سراحه، لكن الضابط الصهيوني مسؤول المنطقة ونظرا لنشاطه رفض إعادة بطاقته الشخصية حتى يحد من حركته ويبقيه دائم التواجد في القرية، منذ ما يقارب عشرة سنوات وشهيدنا يقطن هذه القرية ولا يخرج منها.
العائلة هي الأخرى كما يقول الشاب فادي عرار تعرض أبنائها للاعتقال والملاحقة على أيد قوات الاحتلال لإجبار شقيقهم سامر الذي تطارده على تسليم نفسه دون جدوى، حيث جرت العادة ان تداهم قوات الاحتلال منزلهم في كل مرة تقتحم فيها القرية.
وفي النهاية استشهد ذلك الشاب الوديع الذي عرف بهدوئه وابتسامته الدائمة ، عاش مجاهدا مجهولا ومات مقاتلا شجاعا لا يعلم عن حياته ونضاله سوى نفر قليل من اخوانه ورفاق دربه.