يمثل زهير لبادة مرحلةً مهمةً وتاريخية من مراحل الدعوة الإسلامية في مدينة نابلس خاصةً والشمال تحديدًا، فهو المجاهد الذي تحدى حتى اللحظة الأخيرة، وهو المربي الفاضل والحاضن لشباب الدعوة في السجون وخارجها.
ولد زهير رشيد حامد لبادة في منطقة رأس العين في مدينة نابلس في الأول من آذار/ مارس عام 1961، درس المرحلتين الأساسية والثانوية في مدارس نابلس، وحصل على الثانوية العامة في الفرع العلمي من مدرسة الملك طلال الثانوية في نابلس 1981، ونال درجة البكالوريوس في المحاسبة من كلية التجارة في جامعة النجاح عام 1985.
التحق في صفوف جماعة الإخوان المسلمين في سبعينيات القرن الماضي على يد الشهيد القائد يوسف السُّرَكْجي، وشارك في تنفيذ فعالياتها الدينية والاجتماعية والنقابية، واهتم بالعناية بالقرآن الكريم وتحفيظه، وأسس جمعية اقرأ لتحفيظ القرآن في نابلس، ونشط في الإصلاح بين الناس، وكان من قيادات الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح ومرشحها لرئاسة مجلس الطلبة، وهو متزوجٌ وله من الأبناء أربعة.
انضم إلى حركة حماس فور تأسيسها، وشارك في تخطيط وتنفيذ فعالياتها الجماهيرية والدعوية والاجتماعية والسياسية، ورفض الالتحاق بوظيفة حكومية أثناء سيطرة الإدارة المدينة الصهيونية على المرافق الحكومية الفلسطينية.
بدأ مشواره في المقاومة المسلحة ضد الاحتلال بداية تسعينيات القرن الماضي، حيث شهد ولادة كتائب القسام في الضفة الغربية، وعمل مع القائد القسامي صلاح دروزة، ومع يحيى عياش المهندس الأول في كتائب القسام، حيث مدَّ الأخير ببعض المواد المستخدمة في التصنيع، وكان حلقة وصل بينه وبين عدد من المجموعات القسَّامية، وآواه في منزله قبيل انتقاله إلى قطاع غزة، وجنَّد ساهر تمام لصالح كتائب القسام والذي أصبح أول استشهادي قسامي باستخدام سيارة مفخخة.
كما ساعد عددا من القساميين مثل علي العاصي وبشار العمودي، وكان مسؤولا عن تأمين تحركات واحتياجات بعض المجموعات القسامية، وتركَّزت مهمته بعد عام 2007 على حماية سلاح المقاومة، وتفعيل العمل القسامي في الضفة الغربية.
عانى لبادة أثناء مسيرته النضالية؛ إذ اعتقله الاحتلال أول مرة عام 1987، وأبعده إلى مرج الزهور أواخر عام 1992، وأصيب بالفشل الكلوي أثناء إبعاده، فاضطر الاحتلال إلى إعادته إلى فلسطين بعد عشرة أشهر، وتكرَّر اعتقاله حتى عام 2012، حيث أمضى في سجون الاحتلال قرابة عشر سنوات، وقد عاش في مستشفى سجن الرملة جزءا من حياته الاعتقالية، وقد وصل على لبادة 113 اعترافاً حسب مزاعم الاحتلال، منها امداد المجاهدين بأكثر من 70 قطعة سلاح، ولم يتم العثور عليها.
واعتقلته أجهزة أمن السلطة في أواخر تسعينيات القرن الماضي، واعتقلت إخوته للضغط عليه، وكان أسوء اعتقال ما بعد حزيران 2007م، فيما كان آخر اعتقال له عام 2008م، وفي فترة الاعتقال الأخيرة، اتصلت أجهزة السلطة بأهله وأبلغوهم بأن زهير قد مات بالتحقيق وهو موجود في منطقة مليئة بالأشجار ومصانع الحجارة، وبكى أهله ساعات طويلة وهم يبحثون عن جثته، فيما تبين أنه مازال في التحقيق، وكان ذلك الاتصال من باب الانتقام من أهله.
ولم تقتصر أفعال السلطة على اعتقال المجاهد زهير ومضايقة عائلته، بل اقتحمت بيته عشرات المرات وتم تحطيمه، بحجة البحث عن السلاح، كما صادرت جميع أمواله في أخر اقتحام لبيته قبل اعتقاله الأخير لدى الاحتلال، وقاموا بمصادر الأموال الموجودة في جيوب أبنائه، وصادروا جميع المال والممتلكات من داخل بيته، والعجب في ذلك أن لبادة المجاهد كلما سمع بمضايقات السلطة لأهله كان يبتسم ويقول: "المال بروح وبيجي المهم الرجال نحافظ عليهم".
ولم تتوقف معاناة لبادة مع الاعتقال في سجون الاحتلال فحسب، فقد اعتقل لنحو شهر كامل وتعرض للتعذيب الشديد لدى أجهزة السلطة، ورغم وضعه الصحي الصعب، بقي لبادة مقيداً في سجن الجنيد، وكان وثاقه يفك فقط أثناء إجرائه عملية غسيل الكلى.
بعد خروجه من سجون السلطة اعتقله الاحتلال لثلاثين شهرًا، حينها اشتد المرض عليه وتلكَّأ الاحتلال بمعالجته، رغم إصابته بتشمع في الكبد والتهابات حادة في الرئتين، وقد أدخل المستشفى الوطني في نابلس بعد أقل من أسبوع على الإفراج عنه من سجون الاحتلال الإسرائيلي، حيث كان يتعرض لإهمال طبي فوق التصور.
ستة أيام عاشها القسامي المحرر في غرفة العناية المكثفة في المستشفى الوطني بنابلس، بعد الإفراج عنه، كان خلالها فاقدا للوعي والذاكرة، لا يدرك ما يجري حوله، ولم يكن بيد أقربائه وإخوانه ومحبيه سوى التوجه إلى الله تعالى أن يلطف به، فاختاره الله إلى جواره شهيداً في الحادي والثلاثين من أيار/ مايو عام 2012.