عشرون عامًا على استشهاد ابن جامعة النجاح محمد لطفي حنني

"لم أر في هذه الحياة الدنيا سوى حق وباطل..فحمدت الله أن جعلني من أهل الحق.. وبما أن الله كرمني وجعلني من أهل الحق فلا بد أن أضحي من أجل إحقاق الحق".. بهذه الكلمات التي تُكتب بماء الذهب، خطّ الاستشهادي القسامي المقدام محمد لطفي حنني وصيته الأخيرة قبل الانطلاق لتنفيذ عملية استشهادية داخلي الكيان الصهيوني الجاثم على أراضينا المحتلة عام 1948، ضاربا بذلك أروع الأمثلة لجند فلسطين الميامين الذين جعلوا من أجسادهم ودمائهم شظايا تحرق المحتلين وتنير الطريق للمجاهدين في هذا الدرب الطويل.

الميلاد والنشأة

ففي صباح يوم مشرق بشمس الحرية وتحديدا في التاسع من شهر كانون الأول/ديسمبر لعام 1982 أبصر شهيدنا محمد النور في بلدة بيت فوريك شرق مدينة نابلس بالضفة الغربية المحتلة، ونشأ وتربى بين أحضان عائلة طيبة عرف عنها تدينها ومحافظتها، فرضع من والدته حب الدين والوطن، ومن والده تعلم عشق الأرض وكره هذا المحتل الأرعن، فكان بحقٍ بأخلاقه وتدينه ودماثة خلقه وحبه لأرضه ووطنه.. قدوة صالحة لكل سائر متبصر.

مسيرته التعليمية

ومنذ أن كان محمد طفلاً صغيراً بدت عليه علامات الذكاء والفطنة، وهو ما تترجم بالفعل خلال دراسته الابتدائية في مدارس البلدة التي تميز فيها بتفوقه واجتهاده إلى أن أنهى دراسة الثانوية العامة بتقدير جيد جداً، كما عرف عنه التزامه المسجد باستمرار وحرصه الشديد على حضور حلقات العلم وحفظ القرآن الكريم الذي هو سلاح كل مؤمن أبيّ، فأدرك شهيدنا أن العلم والقرآن سلاحان متلازمان ولذلك التحق بكلية الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية عرين الاستشهاديين وقادة القسام العظام كالطاهر والحنبلي وعدوان..

حياته الجهادية

ومع اندلاع انتفاضة الأقصى المباركة تميز محمد بنشاطه ضمن فعاليات حركة المقاومة الإسلامية حماس، حيث شارك بالمسيرات التي كانت تدعو لها الحركة في منطقة نابلس، كما كانت له أنشطة دعوية مختلفة سواء في المسجد أو المدرسة أو جامعة النجاح التي انضم مجرد التحاقه بها إلى صفوف الكتلة الإسلامية صانعة الرجال ومحضن القادة والشهداء والأسرى الكبار، فكان محمد نشيطا في دعوته، محبوبا لدى زملائه، متواضعا، متفوقا، مضحيا بوقته وماله في سبيل الله قبل أن يضحي بنفسه من اجل رفعة هذا الدين ولإبقاء مشعل الجهاد وهاجاً على طريق تحرير فلسطين من براثن اليهود المعتدين.

شهادته

وكما هي عادة أبناء الشعب الفلسطيني الذين لم يبخلوا بدمائهم التي روت تراب وطنهم المقدس، ومع اشتداد وتصاعد المجازر الصهيونية في بداية انتفاضة الأقصى التي أتت عقب فشل مفاوضات التسوية الهزيلة، كان لا بد لمحمد الذي عشق الشهادة من أن يتخذ القرار الحاسم برفع راية الدين والثأر لدماء الشهداء الزكية وآهات الجرحى والأسرى البواسل خلف القضبان، فأيقن أن أفضل وسيلة لتحقيق ذلك سلوك طريق ذات الشوكة التي لا يفهم العدو الصهيوني غيرها.

ولا شك أن تنفيذ عملية استشهادية الموت فيها محقق، لا بد وأن تحتاج لقلب مؤمن كمال الإيمان.. وعزيمة لا تلين ولا تعرف للخوف أي معنى.. وتضحية غالية جدا هي أكبر من المال ومن أي شيء آخر، إلا أن جنود القسام ضربوا أروع الأمثلة وقدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الله وفداء للوطن كما هو الحال مع شهيدنا محمد الذي ودع أهله دون أن يعلموا وجهته فجر العاشر من شهر نوفمبر/تشرين ثاني عام 2002 وهو لم يبلغ العشرين من عمره بعد، إلى حيث الكيان الغاصب من أجل تفجير نفسه في الصهاينة الذين أذاقوا شعبنا ويلات العذاب.

غادر محمد منزله بعد أن قبل يدي والديه طالبا منهم الدعاء والتوفيق وهم يظنون أنه متوجه لجامعته التي ستمنحه شهادة ورقية بعد أربع سنوات، إلا أن شهيدنا كان يخطط لشهادة من نوع آخر ينال بها شرف الجهاد في الدنيا وحسن العاقبة في الآخرة، وبينما هو في طريقه لتنفيذ عملية تفجيرية في إحدى مدننا المحتلة عام 1948 تمكنت قوات الاحتلال من رصد حركته بعد اجتياز الخط الأخضر وبدأت مطاردة ساخنة انتهت بإطلاق النار عليه من بعيد في منطقة "وادي عربة" داخل الخط الأخضر ليلقى ربه راضيا مرضيا مقبلا غير مدبر..

كلمات مفتاحية :
مشاركة عبر :