ولد الشهيد جهاد رسمي عارف دوفش في مدينة الخليل في تاريخ 17/11/1980م لعائلة معروفة بالتدين والهدوء، وكان الأب يعمل مصورا يكتسب رزقه من خلال استوديو للتصوير في شارع الملك فيصل في مدينة الخليل، وقد كان الشهيد جهاد هو الابن الأكبر لهذه العائلة المكونة من خمسة أولاد وبنت واحدة.
أكمل دراسته الأساسية والثانوية بنجاح منقطع النظير ثم التحق بجامعة بوليتكنك فلسطين وقد أكمل ثلاث سنوات في قسم الهندسة المساحة ثم ارتقى إلى السنة الرابعة واستشهد وهو في الشهر الثاني منها.
خنساء الخليل
أنها غنية عن التعريف... أنها الأم الطاهرة السيدة نادية دوفش والدة الاستشهاديان طارق وجهاد... لقد اعتقدنا هذه المرة أننا حتما سنرى الدموع في عينيها بعد استشهاد جهاد ابنها البكر وطارق وبعد هدم المنزل وتشتيت العائلة... لكنها قابلتنا ببسمتها الساحرة التي تزرع في نفسك الدفء... وعيونك تظل شاخصة لها حتى تغرقها الدموع... أي نوع من النساء أنت يا أم جهاد...
الحمد لله... كررتها عدة مرات... حتى اطمأنت نفوسنا وضجت أرواحنا بالأنين ... وأغرقتنا الدموع... هل نبكي أم نفرح... لكننا جدا متألمون لأننا لسنا نطاول صبرها وإيمانها...
أم جهاد تعمل مدرسة في المدرسة الشرعية للبنات وهي مربية للأجيال على مدى سنوات طويلة... لم نسمع منها خلال أزماتها الكثيرة سوى الحمد لله ولا ننسى أنها كانت تواسي زوجها وأقاربها خلال ما نسميه نحن أزمات وتسميه هي كرامات ربانية وقد ذكر لها طارق هذا الجميل وقال في بداية وصيته الى الأهل الأعزاء وأبدأ حديثي بأمي الحنونة التي ما برحت وهي تنشأنا النشأة الإسلامية الصحيحة وأبي الذي يضيء لنا الطريق.. أم جهاد تفتخر بأبنائها الذين ربتهم على الأخلاق الإسلامية ووضعت على سلم أولويتها أن ما عند الله خير وأبقى وأن يكون أبناها عند الله خير ألف مرة مما عند الناس.
وعندما قابلناها كنا نستمع وإياها إلى واعظة حضرت إلى المكان والتي قالت أن من يتعرضون لمواقف محزنة كثيرة يعطيهم الله الصبر على المصائب والشدائد وذلك بأن أدمغتهم تفرز مادة تسمى ( الاندروفين) وحي حقنة ربانية لا يحصل عليها الإنسان بوصفة طبيب ولا تباع في الصيدليات والعيادات بل تفرز من دماغ فتعطي المرء القوة والشدة حتى يواجه هذه والابتلاءات بصلابة وقوة .
ولم تزد أم جهاد على أن تحتضن النساء اللواتي أذهلتهن المصيبة وتبتسم في وجوههن... وكانت تشمخ فوق كل الألم ولا تبك..
جسدان وروح واحدة
وتحدثنا أم جهاد عن علاقة حميمة بين الشهيدين طارق وجهاد وتقول لقد كانا يأكلان معا وينامان معا ويلعبان معا حتى نعتقد أنهما نفس واحدة في جسدين...
وأضافت أن جهاد كان هادئا وحنونا وكان يسرع الخطى إلى المساجد...
ولقد كان يتحدث بهدوء ولطف لا يرفع رأسه أمام محدثيه إلا نادرا لشدة حيائه... ولا يرفع صوته إلا بقدر ما يحتاجه السامع.
ولقد عرفه القاصي والداني وما عرفه إنسان قط إلا كان يكن له الحب والاحترام.
وعندما كنا في طريقنا إلى منزل الشهيد في حي الجلدة سألنا عدد من المواطنين عن بيت العزاء فكان الناس يشيرون للمكان وأعينهم تفيض من الدمع حتى أن بعضهم لم يستطع أن يتكلم لنا وقد عقدت المصيبة لسانه ومزق الحزن قلبه.
وتقول أم جهاد أن جهاد حضر إلى المنزل في ساعات المساء من يوم 9/12/2003م ولم يتحدث كثيرا وقد كان صائما ثم تناول إفطاره على عجل وخرج دون أن يتحدث مع أحد.
وتقول كنت اعتقد أنه ذهب للصلاة أو لزيارة قريب ولم أتوقع أن يكون قد ذهب إلى تفوح.
وتضيف بأن جهاد صام الأيام الستة من شهر شوال وقد استشهد وهو يصوم الأيام البيض... ويعتبر الصيام وقيام الليل جزء هام من حياته لم يتخلَ عنهما قط طيلة حياته.
الشهيد طارق
كان شقيقه طارق دوفش قد دخل إلى مغتصبة أدورا في تاريخ 27/4/2002م مع الشهيد فادي دويك وصوبا رشاشاتهم على رقاب المستوطنين وقتلا خمسة حسب ما اعترف به العدو وأصابا أكثر من 10 آخرين ثم خرجا من باب المستوطنة وقتلا حارسيها وعندما وصل المجاهدان إلى قرية تفوح غرب الخليل عاد فادي الدويك إلى المنزل فيما قال له طارق أنا لا أريد العودة إلى المنزل أنا جئت هنا من أجل الشهادة وقد اشتبك مع الجنود على تلك التلال الشامخة حتى استشهد. وقد قام جنود الاحتلال بالاحتفاظ بالجثة ولم يسلموها إلى ذويها حتى الآن.
وكان طارق يدرس في جامعة بوليتكنك فلسطين في السنة الثانية وقد عرف بدماثه أخلاقه وهدوئه وأدبه الجم وكذلك الحال مع رفيق دربه فادي دويك والذي اعتقل بعد شهرين من تنفيذ العملية ولازال يقبع تحت التعذيب في سجون الظلمة.
هدم المنزل
في تاريخ 4/8/2002 عاد جنود الظلام إلى منزل العائلة ليلا وقاموا بإخراج أفراد العائلة إلى العراء ثم نسفوه على كافة محتوياته وقد كان والد الشهيدان السيد رسمي دوفش في الاعتقال حيث مكث في سجون الظلمة أكثر من 6 أشهر، ويعلق على ذلك والد الشهيدان أن شعرة واحدة من رأسه لم تتأثر لأن كل شيء في ذات الاله يهودا.
وقد شاهدنا بأم أعيننا كرامتين من الله وهبها على هذه العائلة الصابرة الأولى أننا لاحظنا أن خارطة فلسطين بكل تفاصيلها رسمت على أحد الجدران الخارجية للمنزل وذلك بفعل تصدعه بعد تفجيره بالرغم من أن كافة المنزل هدم بالكامل وسوى بالأرض باستثناء هذا الجدار وتبدوا حدود هذه الخارطة ظاهرة وواضحة. أما الكرامة الثانية فقد لاحظنا أن قطعة من الكرتون ظهرت من تحت جدار المنزل المهدوم وعرضت بطريقة ربانية دون أن تتمزق وقد كتب عليها" أن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم " ولما سألنا عنها قيل لنا بأن الشهيد طارق كان قد خطها بيده قبل استشهاده.
جهاده
لشدة هدوئه لم يلحظ أحد على جهاد أنه كان ذو ميول سياسية، لقد كان يمارس حياته بشكل اعتيادي وكان عندما يخرج من المنزل ويعود لا تظهر عليه أية علامات تشير إلى كونه من عناصر القسام... وكان رحمه الله قليل الكلام.
وبالرغم من أن والده يمتلك استوديو تصوير إلا أنه كان يكره أن يقف أمام الكاميرا ولذلك واجهنا صعوبة في الحصول حتى على صور شخصية للشهيد.
ولكن جهاد على ما يبدو قد توجه للعمل العسكري بعد هدم منزل عائلته وبعد استشهاد شقيقه طارق وكان عمله يقتصر على تصنيع عبوات وأحزمة ناسفة وهذا ما لوحظ في المنزل الذي استشهد فيه.
أما عن اعتقالاته فقد اعتقل جهاد لمدة 12 يوما فقط بعد استشهاد شقيقه واعتقل لمدة يومين ثم أفرج عنه أما الاعتقال الثاني فكان في الفترة اغتيال الشهيد القائد عبد الله القواسمي حيث تم اعتقاله احترازيا لمدة 10 أيام مع والده ثم أفرج عنهما .
قصة الاستشهاد
مساء الثلاثاء سمع أهالي بلدة تفوح التي تبعد 5 كيلو متر إلى الغرب من مدينة الخليل صوت انفجار قوي هز البلدة حيث هرع الأهالي لاستطلاع الخبر وإذا بهم يشاهدون منزلا قد هدم بشكل كلي ثم سمعوا صوت صراخ تحت الركام وقد فوجئ الأهالي بجثث الشهيدين وهي محترقة ومشوهة وقد تعرفوا على الشهيد جهاد من خلال بطاقة شخصية كانت في المكان وحول ملابسات الحادث فقد ذكر بعض المواطنين أنهم سمعوا صوت طائرة كانت تحوم في سماء القرية قبل سماع الانفجار مما يشير إلى أن قوات الاحتلال ربما استخدمت إشعاعات بعيدة لتفجير المكان فيما أشار عدد آخر أنهم لاحظوا أن المنزل قد انفجر من داخله حيث شوهدت الواجهة الداخلية للمنزل ولم تشاهد الواجهة الخارجية كما اشتموا روائح تفوح من المكان وعدد غير قليل من الذخيرة مما يرجح أن الشهيدين دوفش والقواسمي قد استشهدا في خلل فني أثناء أعدادهم لعبوات وأحزمة ناسفة.
الخليل تعلن الحداد
هذا وقد عم الحداد والإضراب الشامل مدينة الخليل صباح الأربعاء بعد انتشار الخبر حيث أغلقت المحلات التجارية أبوابها وعلقت الدراسة في جامعتي الخليل وبوليتكنك فلسطين.
وقد شيعت مدينة الخليل جثمان الشهيد دوفش وانطلق الآلاف من المواطنين من مسجد الحرس وهم يرددون شعارات الانتقام ويرفعون الرايات الخضراء المزينة بكلمة التوحيد وسارت الجنازة من مسجد الحرس حتى مقبرة الشهداء في حارة الشيخ وقد قام المشيعون برفع والد الاستشهاديان على الأكتاف وطالبوا كتائب القسام بالرد السريع.