في ذكرى ذو الأرواح السبعة..محمود أبو هنود ابن جامعة القدس وثائر الجبال

في اليوم التاسع من رمضان من عام 2002 غادر محمود أبو هنود هذه الحياة، بعد مطاردةٍ شرسةٍ مع قوات الإحتلال وحفنة من الجواسيس، كان الجو باردًا والخبر ثقيلًا على الفلسطينيين الذين استيقظوا على فقدانه، ومع إغلاق الاحتلال للمدن الكبرى ومحاصرته لمدينة نابلس، بدت جنازة محمود أبو هنود عملًا فدائيًا جماعيًا يشارك فيه كل من أحبه وتذكره، يجتازون الطرقات الالتفافية الوعرة حتى يصلوا إلى حيث يدور جثمانه في فلك هذه الأرض، ومن ثم يسترخي في أحضانها كما استرخى في كهوفها وجبالها ردحًا طويلًا من الزمن.

يمثل أبو هنود الصورة الحقيقية لفلسطين، في وجهه نبضات شمسها، وفي عينيه اخضرار أشجارها، ويحمل قلبه حبها نبضاً نبضاً، وتحكي حياته قصة قصيرةً للنضال في سبيلها، يطلق عليه البعض "ذو الأرواح السبعة"، ويرى فيه الآخرون المقاومة التي تكالبت عليها أجهزة السلطة وقوات الاحتلال، فكان اختياره أن يرقى ويرتقي عليهم شهيداً بكل ثناياه.

ولد أبو هنود في الأول من تموز عام 1976، منذ نعومة أظافره عُرف بالتزامه وأدبه وأخلاقه العالية، ومنذ طفولته اختار دربه حيث كان يفضل لعبة "حرب وعسكر" ويعيش دور المطارد الذي يقتل جنود الاحتلال ويلاحقهم في صحوهم وسكنهم، أكمل محمود أبو هنود دراسته الإعدادية والثانوية في بلدته عصيرة الشمالية المتاخمة لمدينة نابلس،  ونشط في صفوف حركة حماس ونتيجةً لذلك اعتقل عام 1992 وتم إبعاده إلى مرج الزهور.

بعد عودته من مرج الزهور أتم أبو هنود دراسته الإعدادية، والتحق بعدها في العام 1995م بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة القدس أبو ديس، حيث حصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية.    

وبشكلٍ طبيعي التحق أبو هنود بالكتلة الإسلامية في الجامعة، ونشط في صفوفها، ليكون نبراساً متألقاً في انتفاضة الأقصى وما قبلها، ومحركاً فاعلاً لغيره من الشباب، فقبل اندلاع انتفاضة الأقصى نشط محمود في صفوف الجناح العسكري لكتائب الشهيد عز الدين القسام، وكان له الدور الأبرز في تجهيز وإعداد خمسة استشهاديين خرجوا من بلدته عصيرة الشمالية، وكان لهم دور كبير في هز كيان الاحتلال وإرهابه، حيث تقول صحيفة هآرتس عن عملياته الجهادية: "أبو هنود هو الرجل الذي يقف وراء عمليتي التفجير الاستشهاديتين في القدس الغربية في صيف عام 1997 وقد قتل في هاتين العمليتين 19 إسرائيليا وخمسة استشهاديين فلسطينيين أربعة منهم من سكان بلدة عصيرة الشمالية".

نتيجة لذلك اعتقل محمود لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وكان ذلك الاعتقال هو الثاني له، بعد اعتقالٍ أول عام 1996، وخلال سني مطاردته أثبت أبو هنود قدرةً استثنائية على التخفي والمراوغة مستغلاً عيونه الزرقاء وشعره الأشقر.

إثر استشهاد محيي الدين الشريف أضحى محمود أبو هنود المطلوب الأول لقوات الاحتلال وأجهزة السلطة الفلسطينية، ومع اندلاع انتفاضة الأقصى وهروبه من سجن نابلس المركزي بعد قصف صهيوني استهدفه بشكلٍ مباشر ما أدى لاستشهاد 11 عنصراً من قوات الأمن الفلسطينية فيما استطاع أبو هنود الانسحاب بسلام، تكثفت محاولات الاحتلال وعملائه لاعتقاله أو اغتياله.

عام 2001 وبعد أكثر من خمس محاولات اعتقال واغتيال فاشلة، وبعد أيامٍ وأشهر من المطاردة القاسية واختباء أبي هنود في الجبال والكهوف والأحراش الفلسطينية، لم يستطع الاحتلال إيقاف نشاطه سوى باستهدافه عبر صواريخ تطلقها طائرة عسكرية صهيونية، حيث أطلقت خمسة صواريخ على الأقل على سيارة فلسطينية قرب مدينة نابلس مما أدى إلى مقتل ثلاثة مقاومين من بينهم محمود أبو هنود والشهيدين الآخرين هما أيمن حشايكة وهو من مساعدي أبو هنود وشقيقه مأمون حشايكة.

استشهد محمود أبو هنود، لكن آثاره ما زالت باقية في وعي الفلسطينين، وعطر دمائه الزكية وجثمانه الذي طاف القرى سيراً على الأقدام قبل أن يصل إلى بلدته عصيرة الشمالية ما زال ندياً متألقاً محفوراً بقوة في ذاكرة الفلسطينيين.

كلمات مفتاحية :
مشاركة عبر :