الشهيد الأسير بسام السايح...لأن فلسطين غالية قدم لها عمره وصحته وآخر أيامه

غادر بسام منذ ثلاثة سنوات، خرجت روحه من ضيق السجون إلى سعة السماوات، لكن جسده ما زال بعيدًا عن أهله، يعبر عن حكاية المئات من الأسرى الفلسطينيين والشهداء الذين احتجزوا في مقبرة أرقام حتى انتهاء محكومياتهم الظالمة، هذه باختصار هي حكاية بسام.

لأنه لا يُتاح لنا دائماً اختيار النهاية التي نحب وترضينا للحياة، حاول بسام السائح أن يختم حياته بأكثر من طريقة، وجميعها كانت في درب الدعوة والجهاد، حياة بسام القصيرة لم تعنِ يوماً أنه كان خاملاً أو اتكالياً، أو مستسلماً لما يأتيه، بل كان صانعاً، مهندساً ميدانياً للعمل المقاوم، ومن بين يديه خرجت أجمل العمليات البطولية التي أثجلت صدور الشعب الفلسطيني، ومثلت صفعةً ساخنةً على وجه الاحتلال وعصاباته التي أقدمت على إحراق منزل عائلة دوابشة ما نتج عنه استشهاد الأب والأم وطفلهما الرضيع.

ولد بسام أمين السائح في مدينة نابلس، عام 1973، درس في مدارس المدينة، وبعد الثانوية العامة التحق بجامعة النجاح الوطنية، وحصل منها على شهادة البكالوريوس في كلية الإعلام، حيث تخرج عام 1995، ليعمل في الحقل الإعلامي في عددٍ من الصحف الفلسطنينة والمواقع الألكترونية، ما أهله لاحقاً ليشغل شغل منصب مدير صحيفة فلسطين، ثم أكمل دراسته العليا ملتحقاً بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في الجامعة.

أثناء دراسته الجامعية كانت الكتلة الإسلامية تتعرض لمضايقات شديدة من قبل السلطة الفلسطينية، نتيجة رفضها اتفاقية أوسلو وما أفرزته من وضعٍ على الأرض يحارب المقاومة ويقدس التنسيق الأمني، ورغم ذلك فقد كان لبسام مشاركته الفاعلة في أنشطة الكتلة الإسلامية، ودعمه لبوصلة المقاومة والجهاد، وهو ما استمر عليه حتى الرمق الأخير من أنفاسه.

عام 2002 نصبت قوات الاحتلال كميناً لبسام واستطاعت اعتقاله، فخضع لتحقيقٍ قاسٍ، لكنه صمد أمامه بشراسة، فما كان من المحتل إلا أن حوله للاعتقال الإداري مراتٍ ومرات، ليكمل العام والنصف في الاعتقال الإداري، ولم يلبث أن التحق به أخوه المطارد أمجد، ليحكم عليه الاحتلال بالسجن لعشرين عاماً.

بعد الإفراج عنه تعرض بسام للاعتقال في سجون السلطة وخضع لتعذيب شديد، ولمرات متكررة ومتعددة، بما مجموعة ثلاث سنوات متفرقة، ونتيجةً لذلك أنهكت صحته بشكلٍ كبير، وبعد عدة فحوصات تبين إصابة بسام بمرض سرطان العظام، مطلع عام 2009،  ثم أصيب بسرطان الدم عام 2013، ثم بدأ عمل عضلة القلب في القصور تدريجياً.

مطلع عام 2015 اعتقل الاحتلال زوجته منى السائح من منزلها بحضوره، حيث خضعت لتعذيبِ قاسٍ ومكثف، وأثناء إحدى جلسات محاكمتها تم اعتقال زوجها بسام وذلك بتاريخ الثامن من أكتوبر 2015، وعلى الفور وجهت له تهمة المشاركة بالمجموعة الفدائية التي نفذت هجوماً مسلحاً انتقامياً على سيارة إسرائيلية قتل فيه ايتام هكنين، ضابط احتياط بوحدة هيئة الأركان الخاصة وضابط استخبارات وحاخام، وزوجته نعماه هكنين، ابنة ضابط كبير بوحدة هيئة الأركان.

طلبت له النيابة العامة حكماً بالمؤبدين وثلاثين عاماً إضافية، لدوره في التخطيط للعملية، في الوقت ذاته كان بسام يعاني من ضيق في التنفس واحتقان رئوي أدى لتعطل الرئة بشكل جزئي، وتجمع المياه في القدمين، إضافة إلى التهابات في الكبد وهي علامات وجود فشل في القلب من الدرجة الرابعة، وهي الأشد خطورة، وفي أواخر شهر يوليو/ تموز 2019 تعرض السايح لانتكاسة صحية بالقلب، نُقل على إثرها من سجن "جلبوع" إلى مستشفى العفولة، ومن ثم إلى  مستشفى سجن الرملة، ولاحقاً إلى سجن أساف هاروفيه، حيث تدهورت صحته بشكلٍ سريع، وأصبحت عضلة القلب تعمل بنسبة 15% فقط.جولة

جولةٌ أخيرة بين سجن جلبوع إلى مستشفى سجن الرملة، حيث مكث عدة أسابيع، وبدلاً من أن تتحسن حالته، تراجعت بشكل كبير، فهو لا يحمل من حقيقة كونه مستشفى إلا الاسم فقط، فطلب أن يعيدوه للسجن، حيث سيجد من الأسرى الأصحاء من يعتني به ويحنو عليه"

لكن تلك الحالة المستقرة ظاهريا لم تدم كثيرا، بدأت الأوجاع تدهم بسام من كل مكان، ولم يعد يقف على قدميه نهائياً، ويلهث دوما عندما يتحدث، ويشعر بضيق نفس وحشرجة في صدره، فجاء القرار بنقله إلى مستشفى "أساف هاروفيه"، وهناك كانت ساعاته الأخيرة.

كلمات مفتاحية :
مشاركة عبر :