فواز بشير بدران..مجهز الاستشهاديين والقائد المجهول

 فجر يوم السادس عشر من فبراير عام 1974م ولد الابن البكر والوحيد للسيد بشير بدران، في مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية، وأطلقت عائلته عليه اسم "فواز" ليكون له الفوز الكبير في حياته وفي مماته.

كبر فواز شيئاً فشيئاً وكبرت معه أحلامه وأحلام عائلته، والتحق بمدارس طولكرم، درس المرحلتين الأساسية والثانوية في مدارسها، وكان الفتى فوّاز مميزا بين أقرانه في تلك المرحلة بحب العلم والدين والوطن، تعلم رياضة "الكراتيه" وهو في الابتدائية، والتحق بالمسجد لتعلم "علم الحديث"، وفي السابعة عشرة من عمره حصل على شهادة الثانوية العامة في الفرع العلمي، وانتقل بعد ذلك إلى الأردن ليكمل دراسته الجامعية، فالتحق بجامعة عمان الأهلية في الفترة بين عامي1991- 1992، وبدأ دراسة الكمبيوتر بناء على رغبة والدته. تزوج من فتاة فلسطينية فاضلة ومن أصل كريم، ورزق منها بابنتين وولد هم: عزة وبيسان وأحمد.

كان فوّاز مميزاً في دراسته،حافظاً للقرآن عالماً بالشرع فقد  أتمّ حفظ القرآن الكريم بسبع قراءات، وحاز على السند بالتواتر في زمن قدره ثمانية شهور. ورغم عزمه على دراسة الكمبيوتر إلا أن قلبه بقي متعلقا بالدين، وكان شديد الرغبة في دراسة أفضل العلوم ألا وهي العلوم الشرعية والفقهية، فدفعه ذلك إلى الالتحاق بكلية الدعوة وأصول الدين في عمّان عام 1992/1993م حتى حاز الشهيد على شهادة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية بامتياز. وعادت به أيام الطفولة الى العلم الذي أحبه منذ صغره والذي تربى عليه في المساجد، فالتحق في عام 1996/1997م بجامعة آل البيت في الأردن ليحصل بعدها على درجة الماجستير في علم الحديث.

 وفي تلك الفترة عمل أستاذا لمادة التربية الإسلامية واللغة العربية للصفوف الثانوية في مدرسة العروبة بضاحية الروضة في عمان، وكان يدرّس التجويد في مسجد عبد الرحمن بن عوف بمدينة صويلح.

وما أن لاحت له الفرصة حتى عاد لأرض الوطن ومسقط الرأس في عام 1999م ليستقر مع والدته التي ضمته في أحضانها وهي تجد فيه الأمل والسند والهمة التي تناطح بها عنان السماء فخورة بوحيدها الذي اجتاز كل الصعاب حاملا أفضل الدراسات وأفضل العلوم راجية بذلك نيل رضى الرحمن. عمل مدرسا في مدرسة الأقصى بطولكرم، واستأجر بيتاً جديداً ليعيش فيه مع زوجته، ولكنه ما نسي يوما أن له أمّاً تنتظره لحظة بلحظة، فكان يأتي لزيارتها في كل يوم برفقة زوجته وأطفاله.

ويذكر له المقربون أنه حاز المرتبة الأولى في مسابقة حفظ القرآن الكريم التي أجرتها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ورغم ذلك فقد رفض أخذ الجائزة المالية واكتفى بتكريمه بمصحف وقلم،  وتروي أمه أنه كثيرا ما تردد على لسانه 'بمشيئة الله يا أمي أموت شهيدا'

في مركب القسّام سافر شهيدنا فواز ففي عقد التسعينيات لاستكمال دراسته الجامعية في الأردن وتعرف هناك على أحد الطلاب الشيشان الذين أحبوا أن يقدموا خدمة للمجاهدين في فلسطين، فقام بتعليم فواز بدران كيفية تصنيع مادة متفجرة فعالة، وعند عودة فواز لطولكرم قبل بداية الانتفاضة بأشهر بدأ بالعمل والتجهيز وعرض الأمر على القائد القسامي عباس السيد والذي رفض الفكرة بالبداية قبل أن يوافق عليها.

ومع بداية الانتفاضة قام فواز بتجنيد أحمد الجيوسي وتعليمه تصنيع المادة المتفجرة والعبوات الناسفة، واستكمل ذلك بتجنيد أحمد عمر عليان من طولكرم لينفذ عملية استشهادية في نتانيا، وقد تم ذلك بتاريخ 4/3/2001م، وقد وأسفرت العملية عن مقتل 4 صهاينة وجرح ما يزيد عن 40 آخرين.

وبعد أن نجحت المادة المتفجرة قام فواز بعرض الأمر على القائد القسامي عباس السيد فوافق بشدة وتم التنسيق ما بين قيادة طولكرم ونابلس لاستقبال فواز بدران في نابلس والاستفادة من العلم الجديد الذي بحوزته، وهكذا انضمت المجموعة الثانية لقيادة عباس السيد، إلا أن الاحتلال قام مباشرة باغتيال فواز بدران من خلال وضع عبوة داخل سيارة من نوع ميتسوبيشي بالقرب من منزله مما اخترقت الشظايا جميع جسده الطاهر، وكان ذلك يوم الجمعة الموافق 13/7/2001م.

ومن هنا قامت أجهزة السلطة بعمليات تفتيش واسعة فوجدت كميات كبيرة من المتفجرات وقد أصبح أحمد الجيوسي بعدها مطلوباً لهم وللاحتلال، فتم إعطاء التعليمات من عباس السيد لأحمد الجيوسي بمغادرة طولكرم إلى نابلس والبقاء فيها وهذا ساعد أيضا في الاستفادة مما لدى أحمد من خبرة جديدة في تصنيع المادة المتفجرة التي اكتسبها من فواز قبل استشهاده.

كما جهز الشهيد فواز الاستشهادي محمود مرمش يوم الجمعة 18/05/2001م وقد كانت عمليته أمام كنيون (مجمّع تجاري) هشاورن في نتانيا، وقد اعترف الاحتلال بمقتل 6 صهاينة وجرح أكثر من 130، وقد كانت هذه العملية سادس عملية العهدة العشرية القسامية والأضخم في انتفاضة الأقصى حتى حينه، فردَّ الاحتلال باستخدام طائرة (F16) لأول مرة في تاريخ الصراع.

لقد عرف  فواز طريقه منذ البداية ورسم لها خارطة الوصول، وأحسن الاختيار فبلغ الهدف، أرادها شهادة مشرّفة بقلب قرآني نقيّ، فوجدها على قارعة الطريق تنتظره على رصيف مدخل بيته، حيث ترك العدو الغادر الجبان سيارة مفخخة له أثناء عودته إلى المنزل يوم الجمعة 13/7/2001م، حيث كان آخر من ودّع في هذه الحياة أمّه التي ربّته وكبر بين ذراعيها، فقد خرج من عندها متجهاً لإحضار زوجته وأطفاله لتناول الغداء مع والدته، فحدث الانفجار، وسال دمه الطاهر في يوم مبارك بعد صلاة الجمعة، وكان قدر الله الغالب وحكمته الباهرة ومشيئته أن يختار الشهيد إلى جواره "ويتخذ منكم شهداء".

كلمات مفتاحية :
مشاركة عبر :