ثابت صلاح الدين حياته الأبدية حين رحل من دار الفناء إلى دار الخلد، تزفه الحور العين والملائكة الطيبين، في هذا التاريخ سجل المجاهد القسامي ثابت صلاح الدين اسمه في صفحات خالدة لا تبلى ولا تنسى بقطرات دمه التي سقطت في يد الله قبل أن تبلل الثرى.
لقد وقع نبأ استشهاد ثابت على نفوس أهله وأحبابه كما تقع السيوف في الجسد، صمت ساد شوارع مدينة طولكرم التي ودعت شهيدها وقد آوته دون أن يعلم به اقرب الناس إليه، فأمه التي استشهد بعيدًا عنها أمتارًا عدة لم تكن تعلم وجوده بالقرب منها، فبيته الذي اختاره بالقرب من بيت ذويه علّه يلمح طيفهم بعد غياب أربعة أعوام لم تكتحل عين أمه به إلا شهيدًا مسجى أمام ناظريها.
لقد جثت والدته على ركبتيها قرب جثمانه الطاهر تتوسط الجموع المهنئة في بيتها، وتمسح جبهته الندية بعرق الجهاد، تعاتبه عتاب الأحبة: "ليه يَما ما خبرتني انك ساكن جنبي.. ليه ما خليتني أسلم عليك حيًّا؟!".
وكيف ذلك يا "أم زياد" وثابت الذي بمشيئة الله حفظ نفسه لإخوانه ونفسه وتحمل ألم الفراق والبعد حتى لا تنطفئ شعلة الجهاد والمقاومة، وان كانت نفسه تتوق للقائك، فهي كانت توّاقة للقاء الله كذلك، وقد سبقتك إليه الحور العين لمَّا زف إليها شهيدًا.
الميلاد والنشأة
ولد الشهيد القسامي القائد ثابت صلاح الدين في 4/3/1982 في حي البركة جنوب مدينة طولكرم لأسرة متدينة تعود جذورها إلى بلدة حزما قضاء مدينة رام الله، قبل أن ينتقل مع أسرته إلى طولكرم، حيث درس ثابت جميع مراحله المدرسية فيها، ففي مدرسة السلام تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي، وهناك كان أميرًا للحركة الطلابية -الجناح الطلابي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"- ليكمل تعليمه الثانوي في المدرسة الفاضليَّة الثانوية، في الفرع العلمي، ليحصل على معدل 86.6%، وتنال جامعة النجاح الوطنية في مدينة نابلس شرف التحاق ثابت في صفوف طلبتها في كلية الهندسة المعمارية.
المسجد أول الانطلاقة
تعلق قلب ثابت بالمسجد منذ نعومة أظفاره، ففي مسجده "زيد بن حارثة"، وسيرًا على خطى شقيقه وشيخه في رياض المسجد الاستشهادي مؤيد صلاح الدين الذي استشهد في عملية استشهادية قرب وادي عارة داخل المناطق المحتلة عام 1948، عرفته زوايا المسجد ومكتبته وكل ناحية من نواحيه، لم تنسه المصاحف التي حملها حافظًا لآيات كتاب الله، ولم تنسه الليالي التي أقامها برفقة إخوانه الذين منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر كمثل الشهيد القسامي القائد نشأت الكرمي.
وقد نال المجاهد القسّامي ثابت صلاح الدين (أبو البراء) تربيته الروحية والفكرية في محاضِن وأُسر "جماعة الإخوان المسلمين"، والتي التحق بها في مرحلته الثانوية، بعد أن رأى فيه شيوخه في المسجد مثال الشاب الفطِن المعروف بالصمت والشدة في الحق، ويكون شقيقه الأكبر الاستشهادي القسّامي "مؤيد" أول "نقيب" له في صفوف الإخوان، حيث نال إجازة في تجويد القرءان الكريم، وحفظ الكثير من أجزاء القرءان الكريم.
انطلاقة قسامية مباركة
لقد كان استشهاد شيخ ثابت (شقيقه الأكبر مؤيد صلاح الدين عيادي) منعطفًا كبيرًا ومهمًّا في حياته، فمع إشراقة شمس يوم (8-11-2001) استيقظت الدنيا على نبأ عملية استشهادية استهدفت إحدى نقاط ومواقع القوات الصهيونية الخاصة، أما ثابت فلم يُرَ باكيًا في حياته أكثر من اليوم الذي نقل له فيه خبر استشهاد حبيبه وشيخه مؤيد، لتبدأ حياة ثابت الثابت تأخذ منعطفًا جديدًا لم يلحظه أيٌّ من المقربين إليه، فقد كان صامتًا كتومًا، ليحمل جعبته وينضم لصفوف كتائب الشهيد عز الدين القسّام، سيرًا على خطى معلمه وشيخه مؤيد، لينضم إلى قافلة مهندسي كتائب الشهيد عز الدين القسّام، ليُكتشف أمره عقب اكتشاف القوات الصهيونية لحزام ناسف اختلطت مواده الكيماوية بلمسات ثابت، وكان ينقله المجاهد الأسير طلال أبو عصبة الطالب في كلية الشريعة بجامعة النجاح، وقد كان من المخطط له أن يقوم زميله المجاهد القسّامي المعتقل سعيد شحادة بعملية استشهادية، إلا أن اعتقاله أفشل العملية، ووضع ثابت على قائمة المطلوبين، بعد أن أشارت كل الخيوط إلى مصدر واحد هو ثابت صلاح الدين، ويبقى ثابت المطارَد المطارِد للقوات الصهيونية في منطقة نابلس، يعمل وينظم صفوف الكتائب، قبل أن ينتقل إلى مدينة طولكرم عقب استشهاد زميله إحسان شواهنة في عام 2005 كما تشير الوقائع، ويستلم قيادتها في شمال الضفة الغربية عقب استشهاد زميله الثاني القائد المجاهد أمجد حناوي، ويدير دفة قيادة الكتائب في شمال الضفة من هناك.
عرس الشهادة
في فجر الثلاثاء (17-1-2006)، كان المهندس ثابت محمود صلاح الدين (24 عامًا) قائد كتائب القسام، في شمال الضفة، على موعد مع الزفاف، وكانت الحور على موعد مع العرس، ففي جنح الظلام زحفت عشرات الآليات العسكرية المدعومة بطائرات الاستطلاع والأباتشي نحو مدينة طولكرم، لتقتحمها ومن عدة جهات بأكثر من 30 آلية، وما هي إلا دقائق معدودة حتى كانت الوحدات الصهيونية قد طوقت منزلاً في منطقة الحي الغربي من المدينة، والذي كان يتحصَّن بداخله الشهيد ثابت صلاح الدين، وفي اللحظات التي طالبت فيها القوات الصهيونية عبر مكبرات الصوت سكان العمارة بإخلائها، كان ثابت قد أنهى استعداده لنيل الشهادة.
وفور دخول القوات الصهيونية المنزل فتح الشهيد البطل النار عليهم بكلتا يديه يصب نار غضبه ونيران غضب شعبه منتقمًا لدماء إخوانه مكبرًا وناشرًا الرعب في صفوف الجنود الذين أصابتهم حالة من الخوف والهلع الشديد بعد إصابتهم برصاص الجهاد والمقاومة.
وبعد ساعات الاشتباك نالت رصاصات الغدر والحقد الصهيوني من جسد الشهيد الطاهر، لتسقط حفنات من دمه وتروي أرض البيت وتسيح إلى بابه لتنير الحي والمدينة وتفوح رائحة المسك الزكية منها داعية الشجر والحجر والبشر حضور حفل الوداع الأخير للمجاهد الذي لم يعرف إلا طريق الثبات على الحق والجهاد.
وبعدها قامت القوات الصهيونية بتفجير المنزل الذي تحصن بداخله الشهيد ثابت، مما أدى إلى اندلاع حريق كبير في منزل مجاور وتضرر العشرات من المنازل القريبة من المنزل المستهدف جراء شدة الانفجار.
وبهذه البطولة والفداء يختتم ثابت حياته التي قضاها في طاعة الله والجهاد والدعوة إلى الله، لتكون حسن الخاتمة لرجل عرف الله فعرفه الله ولتكون وسام شرف أخرى لعائلته المصابرة المجاهدة ودرجة أعلى عند الله.