عامٌ تلو العام يمر على رحيل ساجي، حتى أصبحت الأعوام ثمانية، هو ذاك ابن جامعة بيرزيت، وشهيد جميع الفصائل الفلسطينية، الفتى الذي ودعته بيرزيت كما ودعته بلدته تماماً، وبكاه الطلبة كما بكته عائلته.
لم يكمل ساجي سنواته التسع عشر بعد، ولم يحظً والده برؤيته يخط العشرين، كان في سنته الجامعية الثانية، مجداً طموحاً مفعماً بالأمل، يمتشق القلم كما يمتشق المقاوم سلاحه، ويعلن عن نفسه صحفياً وإعلامياً حر الكلمة، منطلقاً كخيله الأصيل، ومقاوماً في كل وقت، حتى كان الحجر آخر سطرٍ في مقاومته.
رحل ساجي صايل درويش جرابعة عن جامعة بيرزيت في العاشر من مارس 2014، ليكون شهيدها السادس والعشرين في انتفاضة الأقصى، ويعيد بوصلة العمل النضالي الثوري المقاوم لبوصلته الأولى، كانت آخر كلماته المنشورة على الفيس بوك قوله: "اعذريني يا أمي..شهيداً أريد أن أكون".
يقول أصدقاء ساجي، أنه كان خلوقاً، عذب الكلام، محباً لأهله ولوطنه ولدينه، اختار وأهله التضحية فداء الوطن بدلاً من نعيم الغربة، تميز في دراسته، وواظب على أداء واجباته الدينية في بيت الله.
موعد مع الرحيل
في مساء العاشر من مارس، كان ساجي ابن قرية بيتين في طريقه لمزرعة أغنام العائلة لتفقدها، حين داهمت دورية الاحتلال خط سيره، وأمطرته بوابل من الرصاص، ثم احتجزت جثمانه لأكثر من ساعة، حتى تأكدت من غايتها، وحتى ارتقى الشهيد في عليائه حراً.
قبيل خروجه نحو الجبل، كتب ساجي على حسابه الفيس بوك في رثاء أمهات الشهداء "قولو لأمي بالله لا تبكيني.. قولو لا دمعات عيونها بتكوني"، قبل يد والدته ثم مضى، ولم يعد، أمام هذه الذكرى ما زالت تقف حياة والدته، بينما تنهمر دموع عيونها دون توقف.
وداع بيرزيت
في اليوم التالي جرت مراسم تشييع جثمان الشهيد ساجي من أمام مجمع فلسطين الطبي، بحضور جمعٍ غفير وحشود كبيرة من طلبة جامعته وأكاديميين وشخصيات وطنية وفلسطينية، وتوجهت جنازته نحو جامعة بيرزيت، وأقيمت له مراسم تأبين بحضور آلاف الطلبة.
سُجي جثمان ساجي عند ضريح الشهداء في الجامعة، وقرأ الطلبة سورة الفاتحة على روحه الطاهرة، قبل أن ينقل لمسقط رأسه في قرية بتين ويدفن في مقبرة القرية، في لحظات كان صعبه على الجميع ولا سيما أهله وزملائه، فيما لم تقوَ والدته على اللحاق بجثمانه، فقد أنهكت روحها مرارة الرحيل.
غادر الجميع، وحدها خيله بقيت تؤنس قبره، وتحكي قصص الوفاء والشهامة لمن لم يدركها من البشر..