اعتصام بيرزيت في يومه الثاني والثلاثين.. التفافٌ شعبي متزايد..والأتيرة تستقيل

هي ساعة الصبر في درب الشجاعة، وهي العزيمة والشفافية والبوصلة التي لا يلين حديدها، هذه هي معالم الحراك الطلابي في جامعة بيرزيت، والذي انتقل إلى مرحلةٍ أخرى بإعلان رموزه إضرابًا مفتوحًا عن الطعام حتى تحقيق مطالب الحراك الطلابي.

فمع بداية اليوم الثلاثين من اعتصام الكتل الطلابية، وإغلاق الجامعة، وتدهور جلسات الحوار مع الإدارة، انتقلت الكتلة الإسلامية إلى مربع الإضراب عن الطعام، وما لبثت الكتل الطلابية الأخرى أن انضمت إليها وأعلنت تضامنها والتزامها، ليصل عدد الكوادر الطلابية المنضمين للإضراب أكثر من 100، وفقاً لما صرح به منسق الكتلة الإسلامية في الجامعة، وليحظى أيضًا بمباركةٍ جماهيرية وشعبية، وتنضم إليه الحرائر أمثال والدة الأسير الجريح إسماعيل البرغوثي، والمرابطة المقدسية خديجة خويص.

المرشحة عن قائمة القدس موعدنا فادية البرغوثي، اعتبرت أن الأحداث الأخيرة المتدحرجة في جامعة بيرزيت لم تكن وليدة اللحظة بل هي حصيلة أحداث متتالية من التضييق المتعمد من عمادة شؤون الطلبة تجاه الحركات الطلابية، وحصيلة تصريحات خطيرة من الناطق باسم الجامعة، مستهجنةً تعنت إدارة الجامعة وتغليب مصلحة الفرد على مصلحة آلاف الطلبة، بل وللأسف تغليب مصلحة أفراد على حياة طلبتها المضربين عن الطعام.

والحقيقة أن جوهر ما يجري في بيرزيت لا يكمن في العلاقة بين الإدارة وبين طلبتها أو كوادرها الطلابية، إنما يتجاوز ذلك بمراحل وأبعاد متقدمة، فبيرزيت هي الشعرة الأخيرة التي تقف أمام تغول الأجهزة الأمنية وتطاولها على مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة، التعليمية والجماهيرية والصحية والاجتماعية، وهي الكيان المستقل الذي يمارس فيه الطلبة حريةً لا يجدونها خارجه، بل هي مجتمعٌ منفصلٍ عن خارجه، تحكمه قوانين لم تعد قائمة خارج أسوار الجامعة.

ولذا فإن مطالب التراجع عن الاعتصام، والحملات الإعلامية التي تنفذها إدارة الجامعة والأجهزة الأمنية وحملات التهديد من قِبل الاحتلال ومنسقيه  والتي تحمّل الحراك الطلابي مسؤولية مستقبل الطلبة وحياتهم الأكاديمية، إنما تتجاوز في معانيها الاهتمام بالطلبة، كما تجاوزت الاهتمام بأرواحهم حين تركتهم فرائس للمحتلين على أبوابها، وتأتي في سياق إخضاع بيرزيت أولاً، وكبت الفلسطيني الأخير ثانيًا، فالفلسطيني المشتعل ليس بالضرورة ذاك الذي ينتفض من أجل لقمة العيش، أو تصريحٍ بالعمل في الداخل المحتل، إنما هو الذي ينتفض لحريته ورأيه وحقه النقابي أولاً، إنه الطالب الفرد، والحراك الطلابي ككل، الذي لطالما كان جذوة أي عملٍ مقاوم أشعل الساحة الفلسطينية في وجه المحتل والطغاة، وهذه الجزئية هي ما تدفع المحتل قبل الأجهزة الأمنية للدس بأعوانه وتدجين بيرزيت وإخضاع إدارتها وكبت طلبتها.

وفي سياق سحب الفتيل من الأزمة أعلنت القائم بأعمال عميد شؤون الطلبة عنان الأتيرة استقالتها من منصبها، ليمثل خطاب استقالتها اعترافًا صريحًا بأن أزمة بيرزيت تتجاوز أسوار الجامعة، هذا الخطاب الذي خرج للإعلام في الساعات الأخيرة يشي أيضًا بأن الحرب معارك، وأن الأجهزة الأمنية إنما تتراجع في معركةٍ لتفوز في الحرب، مراهنةً على أن استقالة الأتيرة ستقلب الالتفاف الشعبي حول الحراك الطلابي، وتتيح للسلطة تنفيذ أجندتها من تحت الطاولة وبهدوء، يدلل على ذلك إشارة الأتيرة في استقالتها: "تم توظيف الخطاب التحريضي لدفع الجامعة للتخلي التام عن الأنظمة والقوانين والأعراف المعمول بها في الجامعة" ...(على اعتبار أن تحويل الطلبة إلى لجنة نظام خاصة هو جزءٌ من الأعراف المعمول بها في بيرزيت!!).. كما أشارت في ختام استقالتها إلى أنها: "توصي بتشكيل لجنة تحقيقٍ لكشف حيثيات الأزمة. ووضع التدابير الإدارية والإجرائية التي من شأنها حماية بيرزيت"، وهي إشارةٌ لها ما بعدها..

سيشعر طلبة جامعة بيرزيت بالفخر، لا شك فجزءٌ مهمٌ من مطالبهم قد تحقق، وتراجع الأتيرة عن تواجدها غير المبرر ضمن موظفي الجامعة إلا لهدفٍ أمني، واستقالتها _وهي التي ترتبط بخلفية أمنية بحكم موقعها كنائب سابق لمحافظ نابلس، وعلى تماس مباشر مع ضباط الاحتلال الذين يعززون علاقاتهم مع المسئولين الأمنيين_ يعني انتصارً للاعتصام الطلابي، وتأكيدًا على قدرة الطلبة على تحقيق مطالبهم خاصةً وأن الكتل الطلابية توحدت خلف مطالب واضحة.

لكن الاستقالة لا تعني بالضرورة أن الرماة بإمكانهم النزول عن الجبل والركون إلى انتصارهم، ولا أن الاحتلال سيترك بيرزيت وشأنها، أو أن يد الأجهزة الأمنية ستكف عن خنق بيرزيت وطلبتها، فهناك انتخابات طلابية على الأبواب. وهناك أسرى ومختطفون في سجون الاحتلال والأجهزة الأمنية تختطف أعمارهم وسنواتهم دون إكمال دراستهم الجامعية، وهناك أعضاء في الإدارة الجامعية يصرحون بعدائهم للأنشطة الطلابية الوطنية، وهناك إرادة طلابية صلبة ومنارةُ تضيء جامعات الضفة الغربية..عنوانها الكتلة الإسلامية..فيا معشر الرماة..الجبل ..الجبل..

كلمات مفتاحية :
مشاركة عبر :