تعود علينا اليوم الذكرى الثانية والعشرين لرحيل أحد شهداء وطلبة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، نبيل خاطر، الفتى الخجول، آخر العنقود في عائلته، وأقربهم لقلب والدته، رحل نبيلاً كأسمه، سامياً في مجده، ومترفعاً عن كل ما قدمته له الدنيا من النعيم والدلال، ومتجاوزاً خيانة العملاء والمتخاذلين.
ولد نبيل عبد الرحمن خاطر في بلدة بروقين التابعة لمحافظة سلفيت، في الشهر نفسه الذي استشهد فيه، وذلك عام 1979، وهو الأخ الأصغر بين أشقائه وشقيقاته وعددهم 11، تلقى تعليمه في مدارس بلدته، وحين أنهى الثانوية العامة التحق بجامعة الخليل، ليدرس في كلية الزراعة، وهناك أضحى أحد شبان الكتلة الإسلامية وأبرز نشطائها.
تميز نبيل خلال سني دراسته الجامعية بسعيه لخدمة إخوانه، وبذله لهم، كما عُرف بوعيه ورهافة حسه الديني، ما أهله للتقدم في صفوف الكتلة الإسلامية ليغدو عضواً في مجلس اتحاد الطلبة، ورغم عشقه لتخصص الزراعة ورغبته فيه منذ البداية، إلا أنه قرر لاحقاً الالتحاق بكلية الشريعة، فانتقل لكلية الشريعة في جامعة خليل الرحمن، والتي عرفت ما بين جامعات الضفة بتخريجها لصفوة المنتسبين لكتائب القسام.
قبل اندلاع انتفاضة الاقصى كان نبيل سباقاً في الانتماء والانتصار لعقيدته وجهاده، فعمل بصمتٍ على الجهاد في سبيل الله، وعزم أن يمضي قدماً في الدفاع عن أرضه وقضيته، فالتحق بصفوف كتائب القسام، وانهمك في تجهيز العبوات الناسفة، وقام مع مجموعته الجهادية بزرعها في المستوطنات، وفي الطرق المؤدية إليها.
وفي ليلة العاشر من شباط عام 2000، وقبل اندلاع انتفاضة الاقصى المبارك بأشهر معدودة، كانت مجموعته تجهز العبوات وتزرعها في قلب المغتصبات لتفجر أشلاء المغتصبين، وأثناء انطلاقه كالمعتاد إلى مغتصبة "آرئيل "التي أقيمت على أراضي سلفيت، قريباً من بلدته بروقين، حاملا بيديه الطاهرتين عبوة مجهزة بحب الاستشهاد في سبيل الله، انفجرت العبوة قبل بلوغه الهدف المراد، ليحترق جسده.
ورغم تعرض جسده لحروق من الدرجة الثالثة، إلا أنه استطاع أن يودع والدته قبل مفارقته للحياة، ليرحل محاطاً برضاها، ملتصقاً جسده بمصحفٍ لا يغادر جيب قميصه، احترق ليحمي قلبه، في لحظات الوداع الأخيرة..سألته والدته إن كان يشعر بالألم.. فأجابها بالنفي ليطلب منها الرضا عنه، فودعته قائلةً الله يرضى عنك يا ابني.. رضا ربي ورضا قلبي.
خرجت والدته من عنده مرغمةً ولم يستطع أحدٌ غيرها وداعه، فالأجهزة الأمنية الفلسطينية وجهاز الأمن الوقائي ملأ المشفى، وفرض منعاً على أقاربه وإخواته حارماً إياهم من وداعه، تركته والدته يقرأ القرآن الكريم، وما هو إلا قليل حتى ارتقت روحه إلى بارئها، ليعلن باستشهاده أن المجاهد ليس بحاجةٍ لانتفاضة، ولا لثورة، ولا لمن يعبد طريق الشهادة له أو يفتتح درب المقاومة، وإنما هو يصنع دربه، ويبدأ جهاده بوحي روحه، ويسعى للموت مقبلاً غير مدبر، لا يهمه عميل ولا جبانٌ ولا محتل.