تحتفظ الذاكرة الفلسطينية بذكرى خاصة لشبان الانتفاضة الأولى، فهم أولئك الذين اشتعلت معهم أوردة الشعب الفلسطيني إباءً وتمرداً بعد سنواتٍ من امتهان الاحتلال وتخاذل العرب..وهم الذين تركوا الدنيا ورائهم وأمسكوا بالحجر ليعلنوا أنهم فلسطينون على أرضهم وأن لا احتلال قادرٌ على كسرهم، من بين هؤلاء كان الشاب الخلوق مراد صلاح، والذي مثل استشهاده لحظةً فاصلة لأقرانه وإخوانه، فهو الشاب المتميز الهادئ الورع، الرياضي المتعلم، ابن العائلة الكريمة التي عُرفت بمكانتها الرفيعة، أقبلت عليه الدنيا فتركها ورحل.
من نسل عائلة ملتزمة جاء إلى الدنيا الشهيد مراد طاهر محمد صلاح، وذلك عام 1972، في مدينة نابلس أنهى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوني، ثم التحق عام 1990 بمعهدٍ مهني، وجرب خيارات أكاديمية مختلفة حتى استقر به المطاف في جامعة النجاح الوطنية بكلية الشريعة الإسلامية.
أبدع في كلية الشريعة ووجد فيها مراده، وتميز بعلاقته الطيبة مع أساتذته وإخوانه، وبين صفحات الكتب الشرعية نشأ وعيه ومراده، وكان من أقربها إليه وأبرزها سنن الإمام داوود رحمه الله، كما عُرف بأخلاقه الرفيعة وأدبه الجم.
من كلية الشريعة إلى المسجد، ما بينهما كان الشهيد مراد يعيش جل وقته، ويُذكر عنه أنه كان حريصاً على صلاة الفجر بشكل خاص، وكان كثيراً ما يذكر غيره ويشجع المواظبين عليها على الاستمرار بها، وكان نادراً ما يخرج من المسجد إلا بعد شروق الشمس وصلاة الركعتين.
إبان انتفاضة الحجارة عُرف مراد كواحدٍ من أجرأ الشباب في مقاومة الاحتلال ومقارعة جهوده والتصدي لهم، وكان لاهتمامه بالجوانب الرياضية دورٌ كبير في تألقه في مقارعة المحتل ورمي الحجارة، فقد عُرف مراد باهتمامه بالرياضة وبكرة القدم والتنس والسباحة، حيث علّم الكثير من الشباب لعبة التنس والسباحة.
في أول يومٍ من عام 1993 وإثر مظاهرات دعت لها حركة المقاومة الإسلامية حماس تضامناً مع المبعدين إلى مرج الزهور شارك مراد بالتصعيد والاحتجاجات، حيث اخترق الرصاص رقبته ليخرج من كتفه، وليمكث بعدها في المستشفى 9 أيام، ثم ينقل إلى مستشفى المقاصد الذي مكث فيه 11 يوماً، واستشهد رحمه الله في العشرين من الشهر ذاته، وذلك ليلة الإسراء في أرض الإسراء.
يذكر أهالي مدينة نابلس مراد بكراماته يوم استشهاده فقد استشهد ليلة الإسراء في القدس وتلك من أكرم ليالي السنة، وكانت آخر صلاة صلاها هي صلاة الجمعة في المسجد، وعندما أرادوا أن يوضئوه ويغسلوه في المسجد، كان مطبق الفكين بشدة ولم يستطيعوا فتحهما، وعندها قال له الشيخ الذي كان يغسله: يا مراد افتح فمك نريد أن نوضئك، ففتح فمه ووضئوه، وعندما وضعوه أمام المحراب للصلاة عليه قال له الشيخ: والآن يا مراد ودّع إخوانك ومسجدك فقد حان وقت الرحيل ففتح عينيه ثم أغمضهما، وعندما وضع في قبره وجاء أهله ليودعوه فتح عينيه وأغمضهما أيضاً وفاحت رائحة المسك في المكان الذي اعتاد أن يجلس فيه دائماً في المسجد.
وكان خاله نبيل البشتاوي أثناء إبعاده في مرج الزهور قد وصله نبأ استشهاد ابن شقيقته، فسارع فوراً بعد سماعه الخبر بإرسال برقية تعزية وذلك بعد يومين من استشهاده، وأرسل إلى أهل الشهيد يقول لهم أنه وبعد سماع نبأ الاستشهاد فتح هو وإخوانه العزاء لمراد في خيمته وسمّوا الخيمة التي يعيشون فيها بخيمة الشهيد مراد صلاح.