منذ انطلاقتها نهاية سبعينات القرن الماضي كانت مسيرة الكتلة الإسلامية محفوفة بالتحديات والصعاب، وشقّت طريقها عبر إصرار وإبداع ميّزا عملها ورسما صورة صدارتها للحركة الطلابية الفلسطينية، فبين الملاحقة والأسر والشهادة تقلّبت الكتلة الإسلامية، وكانت تضحيات أسراها وشهدائها وقود مسيرتها، وكان القمع والحظر والملاحقة دوما دافعا جديدا نحو مزيد من الإبداع وصناعة النجاحات.
يدرك الجيل الحالي من أبناء وبنات الكتلة الإسلامية، أنهم يحملون إرثا عظيما، وتقع على عاتقهم مسؤولية مواصلة نهج جمال منصور وصلاح دروزة وخليل الشريف ونشأت الكرمي وقيس عدوان وعبد الله القواسمي، وغيرهم من القادة الشهداء والأسرى، الذين أسسوا بنيان الكتلة الإسلامية وقادوها لتكون ما هي عليه اليوم، رائدة في العمل الطلابي ورافدا لمشروع المقاومة والتحرير.
ورغم كل محاولات الاحتلال وأجهزة أمن السلطة وقف هدير نشاطها؛ لم تغب الكتلة عن الميدان وظلت تفرض حضورها ببسالة أبنائها وبناتها، وبسعيها لتقديم نموذج متميز في العمل الوطني والنقابي، نموذج يجمع بين خدمة الطلبة وتسهيل حياتهم الجامعية وتسخير طاقاتهم وجهودهم في مشروع المقاومة والتحرير.
خلال العامين الماضيين فرضت جائحة كورونا على الواقع التعليمي في فلسطين تحديّات لم تكن في الحسبان، وتحولت الجامعات للدوام الإلكتروني وأفرغت ساحاتها من صخب الطلبة ونشاطاتهم، وهنا كما في كل مرة كانت الكتلة الإسلامية الأسرع في التحرك والأكثر مرونة وتكيفا مع الواقع الجديد، فغيّرت بسرعة من آلية عملها واستفادت من كل الوسائل المتاحة لمواصلة خدمة الطلبة وأداء رسالتها.
أحسنت الكتلة الإسلامية استغلال وسائل التواصل وبرامج التعليم الإلكتروني والمحاضرات الافتراضية، وعلى الرغم من الحظر والتضييق الذي تتعرض له منصات الكتلة الإسلامية على مواقع التواصل، إلا أنها وخلال فترة الجائحة قدمت للطلبة سلسلة من الأنشطة والخدمات والدعم الذي سهّل عليهم صعوبات التعليم الافتراضي كما ساهمت بفاعلية في حل مشاكلهم المختلفة.
فقد عقدت الكتلة الإسلامية عبر المنصات المختلفة مئات المحاضرات الإلكترونية التي شملت عشرات المساقات في جامعات مختلفة، وكان جهدها مكمّلا ومواكباً لبرامج الجامعات ومحاضراتها، ونفّذت الكتلة الإسلامية كذلك عشرات المسابقات الإلكترونية التي غطّت مواضيع دعوية وتربوية ووطنية وثقافية، إضافة إلى عشرات الندوات التي استضافت فيها سياسيين وكُتاباً ومؤثرين ناقشت من خلالها أبرز القضايا الوطنية والطلابية.
ومع استئناف التعليم الوجاهي عادت الكتلة الإسلامية بقوة وفاعلية، وعلى الرغم من تصاعد حملات الاعتقال والملاحقة بحقها؛ افتتحت الكتلة الإسلامية العام الدراسي بسلسلة من النشاطات المنوعة التي أعادت للحياة الجامعية بريقها. فعلى صعيد خدمة الطلبة نفّذت الكتلة الإسلامية معارض القرطاسية وفعاليات استقبال الطلبة الجدد، وحملات التوصيل وتصوير الكتب الدراسية، بجانب دعمها المتواصل لنوداي الكليات المختلفة، إضافة للمحاضرات الدعوية والأكاديمية المنوعة، كما استأنفت الكتلة برامجها في حلقات حفظ القرآن الكريم وتفسيره.
أمّا على صعيد العمل الوطني؛ فقد نظّمت الكتلة الإسلامية منفردة أو مع الأطر الطلابية عشرات الوقفات والمسيرات والفعاليات في مناسبات وطنية عديدة، كما عقدت ندوات سياسية غطّت عناوين وطنية هامة، من أبرزها قضايا القدس والأسرى. واستمر عطاء أبناء الكتلة الإسلامية وبناتها، ليتقدموا صفوف العمل الوطني والنقابي ويقودون الحركة الطلابية الفلسطينية على طريق المقاومة والتحرير.
بهذه الفعالية أو تلك، وما بين العام والعام.. وبرغم كورونا ومتحوراتها.. عادت الكتلة الخضراء إلى ساحتها وميدانها.. يانعةً مزهرةً مثمرة.. كأنها لم تغب يوماً، لأنها جزءٌ من نسيج هذا المكان وأصله.