بدو محمد الفقيه نموذجاً استثنائياً بين الشهداء، بل هو بالأحرى تجلٍ آخر لقصيدة درويش "نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلاً"، حين يقول فيها: إنا نحب الورد لكنا نحب القمح أكثر.. ونحب عطر الورد لكن السنابل منه أطهر".
فلطالما عُرف محمد بحبه للحياة، للترحال والجمال، للأناقة والتزين والتعطر، للضحك والاستمتاع بكل ما على هذه الأرض، لكن هذا الجانب فيه لم يمنعه من أن يرى ما على الأرض من آلام ودموع، ليثأر لها بأسلوبه الخاص، وفق سمفونيته الخاصة.
ولد الشهيد محمد الفقيه في دورا الخليل عام 1947، وأتم تعليمه الاعدادي والثانوي هناك، حتى التحق بجامعة النجاح الوطنية عام 2005 لدراسة التربية الرياضية، وبعد أقل من عامٍ على التحاقه بالجامعة اعتقلته قوات الاحتلال ووجهت له تهمة الانتماء لحركة الجهاد الإسلامي، وحكمت عليه بالسجن خمس سنوات.
خلال سني اعتقاله، استطاع محمد حفظ القرآن الكريم كاملاً، كما أصبح أقرب فكرياً لحركة حماس، فحول انتمائه إليها خلال سني إقامته في المعتقل، وما إن أفرج عنه حتى باغتته الأجهزة الأمنية بالاعتقال لما يزيد عن خمسين يوماً.
عاد محمد إلى مقاعد الدراسة من جديد، ليحصل على دبلوم إدارة الأعمال في جامعة البولتكنيك، ويكمله بدراسة البكالوريوس في جامعة القدس المفتوحة، خلال هذه الفترة كان تركيز محمد على تفوقه منقطع النظير، فبعد أن بدأ العمل في شركة الاتصالات الفلسطينية موظفاً في وحدة إدارة المبيعات، استطاع خلال مدةٍ وجيزة إثبات جدارته ليصبح مديراً للشركة في فرع جنوب فلسطين.
رغم مباهج الدنيا فإن محمد لم ينس إخوانه ورفقاء قيده، بل وكثيراً ما جمعته بهم استدعاءات السلطة واعتقالاتها، لتمنعه من مواصلة حياته بانسجام اعتيادي، خاصةً بعدما أسس بيت الزوجية واستعد لقدوم طفله البكر.
بتاريخ 1/7 قام محمد بالترصد للمستوطنين في منطقة عنتائيل برفقة عددٍ من المجاهدين ما بين دعمٍ لوجستي وعسكري، ليقوموا بالهجوم على سيارة حاخام وقتله وإصابة زوجته وابنتيه، بعد العملية اختفى محمد بعد أن أضحى مطارداً من قبل الاحتلال، فقامت بتطويق الجنوب الفلسطيني وإغلاقه بشكلٍ كامل، واعتقال عددٍ كبير من أقربائه وأصدقائه، والتحقيق معهم بشكلٍ قاس، حتى استطاعت تحديد مكانه.
فحاصرته مطالبة إياه بالاستسلام، لكنه رد عليهم بالرصاص، حتى قامت وحدات الجيش بقصف المنزل بالصواريخ مما أدى لاستشهاده.
رحل محمد الفقيه مخلفاً ورائه طفلاً ينتظر الحياة، وعائلةً لم ترَ فيه سوى شاباً يهتم بعمله وأسرته، فيما كان محمد يخطط في السر والكتمان لعملياتٍ توجع جيش الاحتلال وتصيبه في مقتل، لتكون نهاية محمد مفاجأة مثيرةً لكل من عرفه، وأدرك فيه أنه "يحب الحياة..لكننا نحب الموت أكثر".