ولد الشهيد جمال منصور في مخيم بلاطة للاجئين عام 1960، وقد عُرف عنه منذ صغره تفوقه في دراسته، وميله للرسم، ونبوغه في الخطابة وسرعة بديهته، وكان لذلك شديد الأثر في حياته لاحقاً.
أنهى تعليمه الإبتدائي والإعدادي في مدارس وكالة الغوث في المخيم، وانتقل لمدرسة قدري طوقان الثانوية ليكمل تعليمه الثانوي، في ذلك الوقت كان جمال قد تجاوز رفاقه علماً وقيادة، فقد قرأ أمهات الكتب العربية ولما يبلغ الخامسة عشر من عمره، ومازج مختلف أطياف المجتمع، وتشكلت شخصيته بصورتها الأبهى.
حتى أنه حين التحق بجامعة النجاح الوطنية لدراسة المحاسبة والعلوم الإدارية في كلية الاقتصاد، كان قد حاز من الشخصية القيادي ما يؤهله ليؤسس الكتلة الإسلامية في الجامعة، ويكون أميرها الذي لا يهاب.
فما بين عامي 1983، وعام 1987 كان لجمال الدور الاكبر في ترسيخ الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح كقطبٍ طلابي لا يمكن تجاهله، كما أنه قاد أول صلاة علنية جماعية في الجامعة، وحدد مكاناً للمسجد تقام به الصلوات في أوقاتها.
ومما يُذكر عنه أنه حين اعتُقل في بداية الثمانينيات وتَدخَّل مدير الجامعة للإفراج عنه قائلاً للحاكم العسكري: إنه تم اعتقال أحد طلبة الجامعة، ونريد منكم الإفراج عنه. فقال له الحاكم العسكري: هذا ليس طالبًا، هذا "خليفة"!..مفسراً قوله بأنهم وجدوا في حقيبته كل شيء عن الأمة الإسلامية عن مآسيها وأحوالها، عن ظروفها، عن نكباتها، عن الجرائم التي تُرتكب بحقها وغير ذلك.
بعد تخرجه عمل جمال محاسباً في عدة أماكن، وكانت النزاهة والأمانة وحسن الإدارة مما عُرف عنه، وفي عام 1986 تزوج من منى منصور، في عرسٍ اسلامي هو الأول على مستوى الوطن، وتقول عنه زوجته: كان حنوناً، متعاوناً في أعمال البيت وتربية الأولاد، لديه شخصية مرحة مما جعل علاقته بأبنائه لطيفة وقوية في ذات الوقت.
وكان له من الذرية خمس أبناء، وحين استشهد لم يتجاوز عمر أصغرهم الستة أشهر.
أما قصة انتمائه لحركة حماس، فمنذ البداية كان جمال منصور من الرعيل الأول المؤسس لحركة حماس في الضفة الغربية، حيث التحق بصفوف الإخوان المسلمين إبان مرحلة الثانوية العامة، ثم أسس الكتلة الإسلامية الذراع الطلابي لحركة حماس إثر التحاقه بجامعة النجاح الوطنية، ومثلها ثلاث مرات في انتخابات مجلس الطلبة.
كما أسس إطاراً طلابياً إسلامياً على مستوى فلسطين، أُطلق عليه "الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين"، ومجلة المنطلق، التي مثلت باكورة العمل الصحفي الطلابي النقابي في الجامعات الفلسطينية، إضافةً لتأسيسه فرع مدينة نابلس للجنة الإغاثة الإسلامية لإغاثة الأيتام والفقراء، ومكتب نابلس للصحافة والإعلام، ومكتب أبحاث لحركة حماس، والمركز الفلسطيني للدراسات والإعلام، وهو المركز الذي استشهد فيه.
كما نشر عدداً من المقالات الفكرية، وألف كتاب "التحول الديمقراطي من وجهة نظر اسلامية"، و "أجنحة المكر الثلاث".
أما فيما يتعلق برصيده الاعتقالي، فحدث ولا حرج، فمواقف الشيخ المفكر جمال منصور كانت دوماً مدعاة لاعتقاله من قبل الاحتلال، منذ المرحلة الثانوية وحتى انتهاء المرحلة الجامعية، ليكون رصيده من الاعتقالات قد جاوز الـ 14 اعتقالاً قبل إبعاده لمرج الزهور عام 1992، إضافةً لأربع اعتقالات أخرى بعدها، ناهيك عن اعتقالين في سجون السلطة تجاوز ثانيهما الثلاث سنوات، ليمتد من عام 1997 وحتى اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.
لكن الحدث الأبرز في حياة الشهيد جمال كان استشهاد رفيق دربه صلاح الدين دروزة، حينها أيقن جمال منصور أن الحياة لم يعد لها معنى، وأن الشهادة يجب أن تكون مسألة وقتٍ لا أكثر، فأعد روحه ونفسه لها، وهيأ لها أهل بيته وأبنائه، ورغم ذلك كان لرحيله الصدمة الكبرى والفاجعة المؤلمة والخسارة الفادحة للقضية الفلسطينية ولمسار انتفاضة الأقصى ككل.
خاصةً وأن غيابه مثل رحيلاً لزخم الانتفاضة وعقلها المفكر، ودينمو المقاومة والوعي السياسي، ناهيك عن أنه اقترن برحيل الشيخ جمال سليم والقائد صلاح الدين دروزة، ليمثل استشهادهم جميعاً علامةً مؤلمة في تاريخ فلسطين المعاصر، ما زالت محفورة وبارزة حتى اليوم.