الشهيد محمد البيشاوي..الصحفي المبادر..والحالم الخجول

 

عام 1974 ولد محمد عبد الكريم البيشاوي في بلدة بيت دجن شرق مدينة نابلس، وفي تاريخ 31/7/2001 كانت خاتمة حياته تُكتب بطريقة مشرفة، تناسب حضوره وأفكاره، وتعكس الحياة القصيرة التي عاشها لكنها مليئة بالأحداث ومفعمة بالمتغيرات.

ما بين الـ 1974 و 2001، توقفت حياة محمد عند محطات كثيرة، وإن كانت طفولته في مخيم بلاطة للاجئين تبدو اعتيادية جداً، فإنها شبابه لم يكن كذلك، فقبل أن يكمل الـ 18 عاماً كان قد اعتقل في سجون الاحتلال، بتهمة مقارعة العدو، وأمضي عامان ونصف من عمره في السجون، لكنها لم تذهب هباءً بل حصل أثنائها على شهادة الثانوية العامة.

كما استطاع خلال اعتقاله أن يحدد خط حياته المستقبلي، فوجد في نفسه ولعاً بالإعلام مكنه من تأسيس لجنة إعلامية داخل السجن تولى الإشراف عليها، وكان يقوم بكتابة اللوائح التنظيمية والتعليمات والأخبار، ويقوم بتعليقها على اللوحة التي صممها بنفسها ليتسنى لباقي الأسرى الاطلاع عليها.

نتيجة لذلك وفور خروجه من سجون الاحتلال،  التحق بكلية الصحافة والإعلام في جامعة النجاح الوطنية، ليكون واحداً من نشطاء الكتلة الإسلامية  وأعمدتها في الكلية، وكما بادر خلال اعتقاله بإنشاء لجنة إعلامية، فقد كان هذا فعله في الكلية، حيث عمد إلى تأسيس اللجنة الإعلامية، قبل أن ينتخب رئيسا لنادي الصحافة في كلية الإعلام ، لتكون بمثابة لجنة تدريبية لإعلاميي الكتلة الإسلامية تعينهم وتقوي عزيمتهم وتمكنهم من استكشاف دروب المهنة.

لم تقتصر حياة محمد على الدراسة الأكاديمية، بل  كان شاباً عصامياً يسعى للقمة العيش الكريم من خلال عمله وعرق جبينه، فعمل أثناء دراسته مصوراً في صحيفة الحياة اليومية، ومراسلاً لموقع إسلام أون لاين، وكاتباً حراً في صحيفة صوت الحق والحرية الصادرة عن الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة 1948، كما عمل في المركز الفلسطيني للدراسات والإعلام الذي كان يديره الشهيد جمال منصور، وكان ذلك آخر أعماله الإعلامية قبل أن يستشهد.

هذه المحطات لم تكن الوحيدة التي صنعت محمد ورسمت درب خاتمته المشرق، فما بين الاعتقال وشظف العيش فقد محمد أباه وأمه، وأضحى هو وأخته وحيدين في الحياة، يسند كلٌ منهما الآخر بروحه ووجوده.
ورغم قسوة الحياة فلم يُعرف عن محمد إلا حسن الطباع، وشفافية الروح، وضياء السريرة، وزاده إشراقاً إتقانه لتجويد القرآن الكريم وحفظ الكثير منه.

قبل 20 يوماً من تخرجه، كان محمد على موعد مع شهادةٍ من نوع آخر، وذلك حين قصفت طائرات الأباتشي الصهيونية المركز الفلسطيني للدراسات والإعلام، بتاريخ 31/7/2001، لتنتهي حياة الصحفي المبادر، الذي أسرته قصص الشهداء وأبكته بصمت، فغدا شهيداً بينهم، وحمل لقب شهيد قبل أن يحمل شهادته الأكاديمية، تاركاً ورائه حسرةً في قلوب زملائه ومحبيه.

كتب بعض زملاءه فيه: "كان اسمه...
 لا تذكروا اسمه!

خلوه في قلوبنا...

لا تدعوا الكلمة تضيع في الهواء، كالرماد...
 خلوه جرحًا راعفاً...

لا يعرف الضماد..طريقه إليه.."

كلمات مفتاحية :
مشاركة عبر :