قلة من الجامعات في وطننا العربي من تحظى بوفاء أبنائها، من يعودون إليها بعد أن تشتد سيقانهم وتعطيهم الحياة رحب العلم والتجارب، فيعودون إليها محملين بالعلم والعطاء والذكريات والوفاء، ومن هؤلاء كانت الدكتورة وفاء خاطر، الأستاذ المساعد في دائرة الفيزياء في جامعة بيرزيت.
وفقاً لما ذكرته الدكتورة وفاء على موقع جامعة بيرزيت، فقد بدأ شغفها بالمجالات العلمية منذ مراحل الدراسة الأولى، لتصبح لاحقاً أول فيزيائية فلسطينية تتخصص في مجال فيزياء الجسيمات الدقيقة والمسارعات عالية الطاقة، ولتغدو عضواً في أهم الشبكات والمنظمات العالمية في مجالها.
تتحدث خاطر عن خطواتها الأولى نحو الفيزياء، فتقول: "عندما اخترت الفرع العلمي في الثانوية العامة، لم تكن هناك في منطقة رام الله سوى مدرسة حكومية ثانوية واحدة للبنات في الفرع العلمي وهي "مدرسة رام الله الثانوية للبنات"، وهذا تطلب أن أتنقل من القرية إلى المدينة يوميّاً للدراسة، ولم تكن وقتها المواصلات العامة متاحة كما هي اليوم، ولم يملك أي أحد من عائلتي سيارة خاصة نظراً للظروف الماديّة، كما أن الوضع السياسي كان غير آمن، فقد كنا في أواخر مرحلة الانتفاضة الأولى".
أنهت خاطر تعليمها الثانوي بتفوقٍ وامتياز، وكما يليق بمبدعةٍ مثلها فقد التحقت بجامعة بيرزيت، وتخصصت بالفيزياء، ولأنها تفوقت في تخصصها فقد أهلها ذلك لاحقاً لتكمل دراساتها العليا في الماجستير والدكتوراة في معهد الفيزياء والتكنولوجيا (IFT) في جامعة بيرغن (UiB) في النرويج.
وعن دور الجامعة الأم في دعم مسيرته التعليمية تشير الدكتورة وفاء إلى أن الجامعة ساهمت في تغطية جزء كبير من التكاليف المالية عن طريق برنامج المنح الدراسية مثل منحة المرحوم موسى ناصر. كما استفادت كثيراً من سمعة الجامعة عالميّاً، حيث حصلت على منحة لاستكمال الدراسات العليا عن طريق الجامعة بعد انهاء مرحلة البكالوريوس.
ونتيجة شغفها بالفيزياء أضحت اليوم أول فيزيائية فلسطينية تتخصص في مجال فيزياء الجسيمات الدقيقة والمسارعات عالية الطاقة، وهو الذي يبحث في الجسيمات الدقيقة ما دون الذرّة، وبعد أن أنهت درجة الدكتوراة وأصبحت عضو هيئة أكاديمية في جامعة بيرزيت، تم الإعلان عن اكتشاف جسيم "هيجز بوزون" وإثبات وجوده عام 2012، وهذا الإنجاز مرتبط ببعض دراسات الدكتورة وفاء النظرية السابقة.
وبعد الانتهاء من بناء مسارع الهادرونات الكبير عام 2007 في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية، تمت دعوة د. خاطر من قبل رئيس قسم الفيزياء النظرية في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (CERN) البروفيسور John Ellis لزيارة علمية امتدت لمدة شهرين في صيف 2007، لحضور المؤتمرات وورشات العمل التي عقدت هناك". واليوم، د. خاطر لديها منحة زمالة منتظمة في المركز العالمي للفيزياء النظرية (ICTP) في شمال إيطاليا، وعضو في منظمة النساء في العلوم في المجتمعات النامية (OWSD)، وعضو هيئة تأسيسية للفرع الفلسطيني لهذه المنظمة، وهي عضو مؤسس في مجموعة علماء من أجل فلسطين (Scientists for Palestine) وكذلك عضو في مؤسسة تشارك المعرفة (SKF).
واليوم تمثل الدكتورة وفاء خاطر نموذجاً مبهراً للمرأة العربية والفلسطينية، التي استطاعت خوض غمار العلوم الدقيقة وإثبات نفسها وكفاءتها، والإخلاص لجامعتها أولاً وأخيراً، بالعودة لتغدو محاضرةً تمنح طلبتها ما نهلته من العلم والإبداع.