من جديد تثبت الحقائق أن العمل الطلابي هو ميدان صناعة القادة والمجاهدين والمهندسين والشهداء، وأن حركة المقاومة الإسلامية ما زالت قادرة على تحقيق الصدمة في وعي أعدائها، والدهشة في عيون أبنائها، وليس أدل على ذلك من اختيار القائد المجاهد يحيى السنوار خليفةً للشهيد المجاهد اسماعيل هنية في رئاسة المكتب السياسي لحركة حماس.
في تأكيد متجدد على أن الجناح الطلابي والسياسي والعسكري هو ميدانٌ واحد، لن يقود إلا لإحدى الحسنين؛ النصر أو الشهادة، فأبو إبراهيم "السنوار" تصدر في مجلس طلبة الجامعة الإسلامية 1982-1987 ما بين ليبدأ في صفوفها عاملًا نشطًا ومن أميناً للجنة الفنية، فاللجنة الرياضية، ثم نائبًا للرئيس، ثم رئيساً للمجلس ثم نائبا للرئيس مرة أخرى.
وكان له حينها ظهورٌ واضح في ساحات النقاش الطلابية لا سيما مع قدرته الكبيرة على المناظرة والخطابة، إضافة لحسه الفني، حيث أسس السنوار فرقة "العائدون للفن الإسلامي" بمباركة الشيخ أحمد ياسين.
كما اضطلع خلال فترة دراسته بأدوارٍ أخرى، من بينها تأسيس جهاز الأمن الحركي الأول (أمن الدعوة) برئاسة الشيخ أحمد ياسين عام 1983، ومن ثم تشكيل منظمة الجهاد والدعوة (مجد) عام 1986.
كما قاد مواجهات شعبية مع الاحتلال بدأت قبيل انتفاضة الحجارة 1982، حتى عام 1988.
ومع تخرج السنوار من الجامعة الإسلامية كان قد حصل على درجة البكالوريوس في اللغة العربية، وعلى خبرة في العمل الطلابي والدعوي والوعي الأمني تقارب الخمس سنوات.
بعدها بعامين اعتقلت قوات الاحتلال أبو ابراهيم، وحكمت عليه من خلال المحكمة العسكرية في غزة، بأربعة أحكام بالسجن مدى الحياة و25 عام أخرى، بعد إدانته بقتل وتعذيب أربعة فلسطينيين أعتبرهم متعاونين، قضى منها 22 عامًا، أربعٌ من بينها في العزل الانفرادي، حتى إطلاق سراحه من بين 1027 آسير فلسطيني آخر في عملية تبادل أسرى عام 2011 مقابل إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط.
وخلال سنوات الأسر لم تهدأ الروح الثائرة في أبو ابراهيم، فتولى قيادة الهيئة القيادية العليا لأسرى حماس في السجون دورات عدة، وقاد وإخوانه سلسلة من الإضرابات عن الطعام، من أبرز محطاتها (1992_ 1996_ 2000_ 2004)، وتعلم اللغة العبرية، لتصبح قراءة الصحف العبرية روتينًا يوميًا له، تطور لترجمة عددٍ من الكتب منها ترجمة كتاب الشاباك بين الأشلاء، وترجمة كتاب الأحزاب الإسرائيلية عام 1992، كما ألف كتاب حماس التجربة والخطأ، وكتاب "المجد" الذي يرصد عمل جهاز "الشاباك"، ورواية أدبية بعنوان شوك القرنفل (تحكي تجربة النضال الفلسطيني بعد عام 1967 حتى الانتفاضة).
ومع خروجها من الأسر في صفقة وفاءٍ مشرفة عام 2011، لم تخلو من بصمات إصراره وعزمه، فانتخب عضواً في المكتب السياسي للحركة في قطاع غزة، وتولى مسؤولية الملف الأمني في 2012، ثم انتخب عضوًا في المكتب السياسي العام، وتولى مسؤولية الملف العسكري في عام 2013.
تلا ذلك تكليف حركة حماس له في عام 2015 مسؤولًا عن ملف الأسرى الصهاينة لدى كتائب القسام، ومن ثم انتخابه رئيسًا للمكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس في قطاع غزة، في فبراير عام 2017، ولدورة ثانية عام 2021.
مقاومة وتضحيات:
حتى في فترة اعتقاله لم يتركه الاحتلال، بل قُصف ودُمّر منزله عام 1989، ومرة ثانية خلال عدوان 2014، ومرة ثالثة خلال عدوان 2021، ومرة رابعة خلال حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة في ديسمبر 2023.
ووضعت اسمه في قائمة "أبناء الموت" من القادة والمقاومين المخطط اغتيالهم، لتكون الصفعة الكبرى لهم هي انتخابه بالإجماع في السادس من أغسطس عام 2024 لرئاسة المكتب السياسي لحركة حماس خلفاً لشهيد الأمّة القائد المجاهد إسماعيل هنية الذي اغتيل في العاصمة الإيرانية طهران.
ليمثل بذلك تأكيدًا على نهج حركة المقاومة وبوصلتها الموحدة في جميع ميادينها، وعلى أن قادتها يتقدمون للموت لا ينتظرونه، وأن جهادهم لا يحده خوف ولا تهديدٌ ولن تنحني عزائمهم باغتيال أو ملاحقة.