مهندس المقاومة الأول..وعاشق فلسطين الذي لا يأفل..الذكرى السادسة والعشرون لاستشهاد المهندس

عياش حيٌ..الرجل الذي أرعب الاحتلال طوال حياته ما زال رعبه متواصلًا من خلال أفكاره التي لا تموت..لعياش فضل السبق في تحويل الحجارة إلى بارود..وكسر ميزان الرعب مع الاحتلال.. وله فضل السبق في تنافس الاستشهاديين نحو الجنان..خلال سجل حياته القصير خاض الكثير من المعتركات..تعرض للملاحقة وإطلاق الرصاص والحصار واستطاع التسلل واجتياز الحواجز والصعاب مراتٍ ومرات..بالنسبة للاحتلال فإن عياش كان بداية أساطير متواترة في سجل المقاومة.. فقد كان المهندس الأول للمقاومة ومن بعده تواكب المهندسون..كلٌ منهم يخط دمه في ميدان مقاومة متميز.

رحل العياش منذ ما يزيد عن الـ26 عاماً، وما زالت ذكراه تتكرر بأسطورية جميلةٍ في أذهان الفلسطينيين، حين استشهد عياش كان التنسيق الأمني في أيامه الأولى، واليوم أضحى في أيامه الأخيرة، كان رفاق العياش في سجون السلطة، اليوم أضحى جُلهم بجواره، كان سلاح العياش المتفجر موضع ترددٍ، واليوم أضحى بوصلةً يجمع عليها كل فصيلٍ فلسطيني، حين مضى العياش لم يكن يريد شيئاً من ذلك، كان فقط يقاوم، كي يبقى هناك فلسطيني واحدٌ على الأقل يرفض الاحتلال، واليوم من بعده يقوم الشعب بأكمله: "نعم لخيار المقاومة".

 

 تعود اليوم ذكرى استشهاد العياش، المهندس الأول لكتائب الشهيد عز الدين القسام، الصامت الخجول الذي أرعب كياناً بأكمله وهز إيمانه بوجوده وقدرته على الاستيلاء على الحق الفلسطيني، عياش العلامة الأبرز لانتفاضة الحجارة، والدرب الأوضح لانتفاضة الأقصى، وعنوان حركةٍ بأكملها أضحى توقيعها سقف باصٍ متطاير، وبكاء مستوطنين مرعوبين أدركوا الفزع في عقر استعمارهم.

 

لكن هذا العام تعود الذكرى فيما والدا العياش قد رحلا إلى جواره، تاركين إرث عياش النضالي لأبنائه وإخوانه، لعل أحدهم يكمل درب المهندس كما بدأه العياش.

 

ولد عياش في الثاني والعشرين من فبراير من عام 1966، لأسرة متدينة ملتزمة، بدأ يرتاد المساجد منذ بلغ الرابعة من العمر، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يلح فيها على والده بشيء، ظل يلح على والده أن يصحبه إلى المسجد، فانصاع الوالد لرغبته، وأضحى المسجد بزاويته الغربية المكان المفضل ليحيى.

 

تفوق الابن البكر لعائلة عبد اللطيف عياش في مدرسته،  فطوال 12 عاماً دراسياً كان يحيى دائماً الأول على دفعته، ويروي أستاذه أنه كان متفوقاً جداً حتى أنه تجاوز أقرانه بعامين في مادة الرياضيات، ما أهله للتفوق بالفرع العلمي، ودخول إحدى كليات النخبة "الهندسة" في الجامعات الفلسطينية.

 

بعد تفوق يحيى في الثانوية العامة وحصوله على معدل 92% في الفرع العلمي،  ومع إتمامه لحفظ القرآن الكريم، ورغم حصوله على شهادة إجازة للعلوم الشرعية وتجويد وحفظ القرآن الكريم، إلا أنه التحق بكلية الهندسة بجامعة بيرزيت، الفرع الكهربائي منها.

 

وخلال دراسته في الجامعة عُرف يحيى بأدبه الرفيع وسلوكه الحسن، وتواضعه الشديد وحيائه، ناهيك عن خدمته لإخوانه الطلبة، ونشاطه في صفوف الكتلة الإسلامية، قضى يحيى في الجامعة ما يقارب الثماني سنوات، من عام 1984 وحتى عام 1993، نتيجةً الإغلاقات التي صاحبت  دوام الجامعة في مرحلة الانتفاضة، وتعطيل الدراسة فيها مراراً وتكراراً.

 

وعن مرحلة دراسته الجامعية، يذكره رفيقه في الغرفة، الأستاذ إبراهيم بالقول: "كان يحيى لطيف المعشر، حسن السلوك، لين الجانب إلا في الحق، متسامحًا، صادق الكلام أبدًا، ومحقًا في المعاملات المالية، كما كان مسلمًا غيورًا على إسلامه بالفطرة الربانية، وكنت أحس من خلال مناقشاتنا الليلية قبل النوم أن هذا الشخص لا يمكن أن تنفع معه كل إغراءات الدنيا. فتمسكه بالدين كان بالفطرة الربانية الشديدة الصفاء، القوية الثبات.

 

وبعد تخرجه حاول الحصول على تصريح خروج للسفر إلى الأردن لإتمام دراسته العليا ورفضت سلطات الاحتلال طلبه، وقد عقب على ذلك يعكوف بيرس رئيس المخابرات آنذاك بالقول: "لو كنا نعلم أن (المهندس) سيفعل ما فعل لأعطيناه تصريحاً، بالإضافة إلى مليون دولار".

 

تزوج يحيى من ابنة عمه، ورزق منها بولده البكر براء، حينها كان يحيى مطارداً بشدة من قبل قوات الاحتلال، وأضحى منزله مستهدفاً بشكلٍ دائم من قبل قوات الإحتلال، وكان يحيى  قد برز في ساحات العمل الجهادي كمهندس ما بين عامي 1990-1991، حين بدأت على يديه حكاية تحويل الحجر إلى قنبلة، فبدأ بتصنيع مواد كيميائية متفجرة، من مواد أولية موجودة في الصيدليات والمستحضرات الطبية والأسمدة، فكانت عمليته الأولى تجهيز سيارة مفخخة في "رامات إفعال" على طريق تل أبيب، ومن هناك بدأت حكاية "المهندس"، أو "كارلوس الثعلب"، كما أسماه الصهاينة.

 

في تلك العملية شاءت إرادة الله أن يكتشف الاحتلال السيارة المفخخة صدفةً، ما قادهم لوضع يحيى على قائمة المطلوبين، دون أن يدركوا أن له اليد الطولى والأولى في تجهيز السيارة وإعدادها، بل وُضع اسمه في مرتبة متأخرة بعد زاهر جبارين، وعلي العاصي، وعدنان مرعي، الذين عرفوا بعملهم الجهادي المقاوم لدى مخابرات الاحتلال في فترةٍ مبكرة.

 

ويعتبر باحثون أن المحطة الأدق لبداية مطاردته تبدأ من عام 1993، حين اتخذ يحيى من الكهوف والجبال بيوتاً له، وحين تم استهداف بيته وأفراد عائلته وأقربائه وأصدقائه بالاعتقال والملاحقة والتهديد.

 

استمر يحيى في مقارعة الاحتلال، وأضحى المسؤول الأول عن عددٍ من العمليات الجهادية النوعية، بعضها أوقع ما يربو عن الثلاثين قتيلاً صهيونياً، حتى استطاعت قوات الاحتلال اغتياله مطلع عام 1996، حين انفجر في وجهه هاتف محمول مفخخ دسته المخابرات الصهيونية على يد أحد عملائها، في ذلك الوقت كان يحيى يحادث والده، لينقل له خبر مولوده الجديد "عبد اللطيف" الذي سمي بيحيى لاحقاً، انفجر الهاتف في وجهه فهشم رأسه ويديه، وارتقى شهيداً على الفور.

 

بعد استشهاد العياش، نفذت كتائب القسام عمليات الثأر المقدس، على يد القائد حسن سلامة، التي أسفرت عن مقتل ما يزيد عن الثمانين صهيونياً، وإصابة المئات.

كلمات مفتاحية :
مشاركة عبر :