بكل فخرٍ أعلنت كتائب الشهيد عز الدين القسام أنها كانت وراء عملية سلفيت التي نفذها كلٌ من الشاب يحيى مرعي ويوسف عاصي، واستطاعا باقتدار وتألق قتل حارس المستوطنة والانسحاب بسلام، ثم إكمال يومهما بشكلٍ طبيعي تمامًا، فيما كانت أجهزة أمن الاحتلال تهرول بحثًا عمن طعنها في خاصرتها ومضى..حتى أدركت بعد حين أنها قراوة بني حسان تعاود مجدها.
في البعد الزمني المقاوم تمكث قراوة بني حسان، لتمثل ارتكازًا مهمًا وقفت عليه المقاومة الفلسطينية في لبناتها الأولى، فبمجرد أن تلفظ باسم قراوة بني حسان يتبادر إلى ذهنك عائلتان رئيسيتان تتصدران المشهد بتضحياتهما الأولى، هما عائلتي "مرعي وعاصي"، وكلتاهما قدمتا الشهداء والأسرى في سجون الاحتلال والسلطة على حدٍ سواء.
فمنذ أيام عياش الأولى، قدمت قراوة الدعم اللوجستي لخلايا المقاومة القسامية، فمن عائلة مرعي خرج "عدنان مرعي" القسامي الذي تتغنى باسمه أناشيد المقاومة، لخوضه اشتباكًا مسلحًا مع الاحتلال عام 1993، واستشهاده أثناء تواجده في كتيبة الشهيد المهندس يحيى عياش، أصر عدنان حينها على المهندس أن يغادر المكان، وتولى مهمة مقارعة العدو حتى قتل جنديين وأصاب غيرهمـ ثم استشهد.
في الخلية نفسها هناك علي عاصي، من بلدة قراوة أيضًا، ساهم مع المهندس يحيى عياش في إطلاق العديد من العمليات الاستشهادية تخطيطاً وتنسيقاً وتنفيذ من عمليات إطلاق النار المباشر التي أدت لمقتل جنود إسرائيليين.
واليوم تعود قراوة لمربعها الأول، حين تقدم مفاجآتها للفلسطينيين في شهر رمضان المبارك، من خلال شابين في مقتل العمر، نفذا عملية مقاومةٍ سريعةٍ وحاسمة، بسلاحٍ محلي الصنع، وبإتقانٍ وصل نقطة صفر، واستطاعا تأكيد أن المقاومة مستمرةً.
فبعد العمليةٍ الشجاعة لكلٍ من يحيى مرعي وابن خالته يوسف عاصي على مفرق سلفيت، ومقابل مدخل مستوطنة أرئيل، أسفرت عن مقتل جندي صهيوني يقوم بحراسة المستوطنة، وطبعت بصمة كتائب الشهيد عز الدين القسام، وأبطال الكتلة الإسلامية في جامعات الضفة الغربية، بعد هذه العملية داهمت قوات الاحتلال البلدة لتقوم باعتقال الشابين قبيل إفطار اليوم الأخير من رمضان، واعتقال والديهما محمد مرعي، وسميح عاصي، وإخوانهم الذكور.
اتسمت عملية اعتقال الشابين بالعنف والقسوة حيث اعتدت قوات الاحتلال عليهما بالضرب المبرح وأجبروهما على خلع ملابسهماواقتادوهما مكبلين إلى دورية الاعتقال، وبعيد الاعتقال قامت وحدات من الجيش بتحديد قياسات منزل الشابين وإبلاغ عائلتيهما بأن المنزل بانتظار قرار الهدم.
اعتقال شابين في العشرينات من عمرهما، إثر عملٍ بطولي مقاوم ليس غريبًا على أهل بلدة قراوة بني حسان، وهم الذين قدموا قبل ذلك البطل عبد العزيز مرعي الذي بالسجن 35 عاما بتهمة مساعدة الشهيد مهند الحلبي بتنفيذ عملية طعن عام 2016 في القدس وقتل إسرائيليين.
وحين اعتقل عبد العزيز لم يكن الأول ولا الوحيد في عائلته، فقبله شقيقه رمزي الذي أمضى 14 عامًا في سجون الاحتلال، وحمزة الذي أمضى سبعة أعوام، وسعيد الذي قضى شهورًا متنقلًا بين السجون والمحاكم.
وهو ما يميز نشأة يحيى مرعي، الذي تنقل والده محمد مرعي بين سجون الاحتلال خلال 12 عامًا من الاعتقال، قضى منها 9 متواصلة لإيوائه أحد الاستشهاديين، كما عُرف بمرافقته لمهندس فلسطين يحيى عياش ولهذا أطلق على ابنه البكر اسم "يحيى" تيمنًا برفيقه وصديقه العياش، وتمكن خلال أسره من مرافقة الشيخ الشهيد أحمد ياسين أثناء اعتقاله في سجون الاحتلال وخدمته.
في وعي العمل المقاوم تكمن علاقة الشبان بالكتلة الإسلامية أيضًا، وهي علاقةٌ تبدو ارتباطًا متواصلًا منذ المقاومة الأولى في خط مهندس فلسطين، فالشاب يحيى مرعي طالبٌ في سنته الدراسية الثانية بكلية الاقتصاد وناشطٌ في كتلة جامعة النجاح الوطنية، وعبد العزيز مرعي أيضًا طالبٌ وناشطٌ في الكتلة الإسلامية بجامعة القدس أبو ديس.
في قلوب شبان قراوة بني حسان هناك شيءٌ آخر، يميزهم بشكلٍ صارخٍ عن غيرهم، هو قلوبهم التي تبدو كبحرٍ عميقٍ لا يمكن لك أن تدرك كنهه ولا موجه، فحين اعتقل ابن كتلة القدس عبد العزيز مرعي ضجت البلدة مفاجأةً بهذا المقاوم الندي واستغرب الجمع انخراطه بالعمل المقاوم، واليوم تصحو قراوة على مفاجأةٍ أخرى عنوانها يحيى ويوسف، شابان هادئان، لهما من الحياة حظ الرزق والدراسة، وفيهما من انشغالات الشباب ما لا يشي بانشغالات السلاح، ورغم ذلك أثبتا أن قلوب شباب فلسطين فيها من حب هذه البلاد ما لا تسعه البلاد نفسها من بحرها لنهرها.