نزيه أبو السباع..المعلم الذي لقن العدو دروس المقاومة..حتى الشهادة

صباح الثلاثاء 19 آذار/ مارس 2002م اقتحمت "مجموعة الشهيد نزيه أبو السباع" معسكر تياسير الصهيونيّ، وقتلت قائد المعسكر.

نفّذ العمليّة الشهيدان: أحمد عتيق من بلدة برقين، وصالح كميل من بلدة قباطية، كانتْ هذه العمليّةُ هديّةَ كتائب القسّام لآلِ الشهيديْنِ: خليل الغروز من مخيّم العرّوب، ولؤي الستيتي من مخيّم جنين، الّلذيْنِ استُشهِدا بعد إطلاقِ صاروخٍ على سيّارتهما، قبل تنفيذ عمليّتهما شمال رام الله.

لعلَّ تسَمِّيَ المجموعةِ باسم نزيه أبو السِّباع يشِي بوفاءٍ وفَضْلٍ له، إذ مضى على استشهاده شهرٌ واحدٌ وبضعة أيّام، جاءتْ هذه العمليّة لتقول: القسّام هنا، لا ينسى دَمَه.

يعدّ أبو السّباع الرجلَ الثاني في كتائب القسّام في منطقة جنين حين استشهاده، مساعِدًا للشهيد نصر جرّار، ونائبًا له في متابعة المجموعات العسكريّة القسّاميّة، وهو الّذي تعلَّمَ إعداد العبوات الناسفة والأحزمة وصناعة المتفجّرات والصواريخ على يد الشهيديْن أيمن حلاوة، وجاسر سمارو، ولعلَّ الحدثَ الأخطَرَ الذي جعلَ الصهاينة سريعين في اغتيالِ "أبو السباع" أنّه كان المساعِد لنصر جرّار في مشروع إنتاج الصواريخ، الّذي حاولت قيادة القسّام متمثّلةً في "فريق تطوير الأسلحة" نقلَ خبرة إنتاجه إلى الضّفّة الغربيّة، وجنين تحديدًا، إذ كان المهندسان نضال فرحات وتيتو مسعود قد أنتجا صاروخ (قسّام 2) وهما مَن طرحا فكرة تصنيع الصورايخ محلّيًّا، وهو تفكيرٌ لو قُدِّرَ استمرارُه ونجاحُ تطبيقه في شماليّ الضفّة الغربيّة لَكانَ سلاحًا ذا أثرٍ استراتيجيّ بعيد المدى، خاصّة في المنطقة الأقلّ عرضًا لدولة الكيان، ما يُمكِّنُ، ولو نظريًّا، من فصل شمالِها عن وسطِها وجنوبِها.

عن نزيه..ورحلته في الحياة

يعود نزيه أبو السباع إلى قرية الكفرين المهجَّرة، من قرى الرّوحة، جنوب شرق حيفا، وتنتسب عائلته إلى حمولة المصاروة، وُلِدَ في مخيَّم جنين عام 1972م، المخيَّم الّذي ما زال ولّادًا، والذي انخرط بكثافة، وعموم شماليّ الضّفّة الغربيّة في انتفاضة الاقصى، ما حدا ببعض الباحثين أن يعزو محدودية المشاركة التنظيميّة في هبّة القدس عام 2015م إلى إلقاء التنظيماتِ العسكريّة بكلّ ثقلِها البشريّ النوعيّ في الانتفاضة الثانية في شمالي الضّفّة الغربيّة، بحيث لم تستطِع حتّى هذه الأيّام أن ترمِّم الفَقْدَ الكبير في قواها البشريّة كمًّا ونوعًا، لا سيما في نابلس وطولكرم.

الشهيد نزيه أبو السباع وهو ابن 15 ربيعًا

التحقَ شهيدُنا بجامعة القدس، ليدرس الهندسة الكيميائيّة، صارَ أميرًا للكتلة الإسلاميّة، وكان لافتًا أنّ إمارة الكتلةِ الإسلاميّة تقترنُ، غالبًا، بفعلٍ عسكريّ على مستوى عالٍ، كانتْ إمارةً تُختَمُ بالدمِ، فيها صدق البداياتِ، ما يجعل منتسبيها أمثلةً لمَن تلاهم.

خلال سني حياته عُرف عنه رجاحة عقله وورعه، وتقواه وهدوئه وكرم أخلاقه، كما أنه حفظ ما يزيد عن العشرين جزءاً من القرآن الكريم، وقد لقي ربه صائماً، كما كان معروفاً بحبه للمطالعة والكتب لذا تم تعينه أميناً للجنة الثقافية في سجن مجدو ما بين عامي 1995 و 1996.

اعتقل أبو سباع بعمرٍ مبكر، مرةً عام 1990 بتهمة المشاركة في فعاليات حماس لمدة ست أشهر وبعدها بسنتين دخل فترة تحقيق في أقبية الاحتلال لانتزاع اعترافه بنشاطاته في صفوف القسام إلا أن المحققين لم يحصدوا غير الفشل وليحكم عام 1994 لمدة ثلاث سنوات بتهمة العمل العسكري في صفوف كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس تنقل خلالها في مختلف سجون الاحتلال بدءا من سجن الخليل الى النقب الى مجدو الى سجن نابلس ليخرج عائدًا الى إكمال مشواره في الجامعة لخدمة دعوته أميرًا للكتلة الإسلامية قائدا صامتا، ثم  مهندسا كيميائيا قساميًا ليشارك في قائمة الشرف التي زينها من سبقه في الشهادة من إخوانه محمود حلاجية وخبير المتفجرات مهند أبو الهيجا وإبراهيم الفايد.

تُروى مواقف تمرُّ مرَّ النسيمِ عليكَ، مثلاً: "في ظهيرةٍ ما، اختلفتُ مع صديق في كنية أحد الشهداء المعروفين، وعجز كل المحيطين بنا عن معرفة الإجابة، حتّى قال لنا أحدُهم: اسألوا نزيه، وبعد صلاة ظهرٍ في جامع جنين الكبير كان الأستاذ نزيه يلبس شبشبه الطويل ذا الإصبع ويهمُّ بالخروج، فداهمناه بالصراخ: أستاذ نزيه، أستاذ نزيه..

ضَحِكَ من السؤال وألقى الإجابة دون تفكير وذهب، عرفنا يومَها أنّه خبير بالشهداء."

 

16 شباط 2002: ويبقى الأثر

رحلَ شهيدُنا نزيه محمود مسعود أبو السباع، بعد أن نثرَ علمَه في مدارس الإيمان بجنين يدرّس مادّة العلوم، وفي طريق عودته إلى بيته، في الشارع الفرعيّ بين مسجد النور والحسبة، مرّ بجانب سيّارة ميتسوبيشي مركونة جانب الطريق، انفجرت فيه، كانت طائرة عسكرية إسرائيلية تحلّق في المكان، زعموا أنّها فعّلت القنبلة عن بعد. قال شارون بعدها: "لقد تخلّصنا من قنبلة موقوتة"، وهو نفسُه الذي قال: "فدائيّ ميّت خيرٌ من فدائيّ حيٍّ"، استُشهِدَ كثيرون من أبناء القسّام والمقاومة بمثلِ هذا الاغتيال، منهم: إبراهيم بني عودة، أيمن حلاوة، فوّاز بدران.

صعد شهيدُنا صائمًا في الرابع من ذي الحجّة، يتجهّزُ لزفافه، معلّمًا للناس الخيرَ من طرقه كلّها، وما زال طلابه يترحّمون عليه، كان مُعلّمًا وكفى، والعلم طرقه واسعة، لكنْ، أن تجد مَن يعلّمك أنّ العلمَ الحقيقيّ الشريف هو الذي يقود إلى الدم، وإلى وضوح الطريق فذلك علمٌ ينفع صاحبَه يوم القيامة.

 

كلمات مفتاحية :
مشاركة عبر :